للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمّه إلى أبي يوسف القاضي، حتى علمه، وفقهه.

وقال ثُمامة بن أشرس: ما رأيت رجلًا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون.

وحكى العبّاس بن الفضل، قال: اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعُذر [منا] (١) عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودّة لك عن سوء الظنّ بك.

وحيث كان يروى عنه في الكرم، وإسداء النعم، وإكرامه جلسائه، والإحسان إلى أوليائه، وتحقيق ظنّ أمليه، وتفريج كربة سائليه، ما تضيق عنه الدفاتر، وتعجز عن ضبطه الأقلام والمحابر، وتغني به الركبان، وتتجمّل بذكره مجالس الأعيان، فلا بأس أن نذكر منها طرفًا يسيرًا، يكون لأهل الكرم به قدوة، ولضعيف الهمّة باعثًا على الجميل، وموجدًا له نحوه، وليعلم أن المرء لا يبقى له بعد موته إلا الذكر الجميل، والثناء الحسن الجزيل.

فمن ذلك ما روى ابن عسكر، عن المهذّب صاحب العبّاس بن محمد، صاحب قطيعة العبّاس والعبّاسية، أنه أصابتْه ضائقة، وألحّ عليه المطالبون، وعنده سفطٌ (٢) فيه جوهر، مُشتراة عليه ألف درهم، فحمله إلى جعفر ليبيعه منه، فاشتراه بثمنه، ووزن له ألف ألف، وقبض منه السفط، وأجلسه عنده في تلك الليلة، فلمّا رجع إلى أهله إذا السفط قد بلغه إلى منزله، فلمّا أصبح غدًا إليه ليتشكر له، فوجده مع أخيه الفضل على باب الرشيد، يستأذن عليه، فقال له جعفر: إني قد ذكرت أمرك للفضل، وقد أمر لك بألف ألف، وما أظنّها إلا سبقتك إلى أهلك، وسأفاوض فيك أمير


(١) تكملة من تاريخ بغداد.
(٢) السفط: ما يعبأ فيه الطيب، وحلى النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>