للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: فحملنا المال على حمالين، وجاء جعفر مُستخفيًا، فدخلنا على الرجل، فأخرجها، فلمّا رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنته، فازداد بها عجبًا، فقال لي: اقطع أمرها. فقلت لمولاها: هذا المال قد نقدناه، ووزناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينتقده. فقال: لا، بل أقنع بما قلتم.

قال: فقالت الجارية: يا مولاي، في أيّ شيء أنت؟

فقال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، وما كنت فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك، فتنبسطي في شهواتك وإرادتك.

فقالت الجارية: والله يا مولاى لو ملكت منك ما ملكته (١) مني ما بعتك بالدنيا وما فيها، وبعد فاذكر العهد.

وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنًا، فتغرغرتْ عين المولى، وقال: اشهدوا أنها حرّة لوجه الله تعالى، وأني قد تزوّجتها، وأمهرتها داري.

فقال لي جعفر: انهض بنا.

فقال: فدعوت الحمالين ليحملوا المال، قال: فقال جعفر: لا والله، لا يصحبنا منه درهم.

قال: ثم أقبل على مولاها، فقال: هو لك مُباركًا (٢) لك فيه، أنفقه عليك وعليها. قال: وقُمنا، وخرجنا.

وروى أنه لما حجّ اجتاز في طريقه بالعقيق، وكانت سنة مجدبة، فاعتضتْه امرأة من بني كلاب، وأنشدته:

إني مَرَرْتُ على العقيق وأهله … يشكون مِن مطرِ الربيعِ نُزُورا

ما ضَرَّهم إذا كان جعفر جارَهم … أنْ لا يكون رَبيعهم مَمْطورًا


(١) في تاريخ بغداد: "ملكت".
(٢) في تاريخ بغداد: "مبارك".

<<  <  ج: ص:  >  >>