إسماعيل عليه السَّلام إنما استعرب بسكنى "الحجاز" بعد أن كان سَليل إبراهيم عليه السَّلام، المولود في كوثي النبط، فأين هذا الإخاء الإسلامي الشامل، المنصوص عليه في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: الآية ١٠]) الجامع لشمل المسلمين؟ من تلك الشعوبية المفرّقة لكلمة المسلمين الحاملة لكلّ شعب منهم على الانفراد عن الآخرين، ليكونوا لقمة سائغة للمبتلعين من أعداء الدين.
قال أبو عبد الله الحُسين بن علي الصيمري في كتابه "أخبار أبي حنفية وأصحابه": أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ، قال: حدّثنا مكرم، قال: حدّثنا أحمد بن عطية، قال: حدّثنا مليح بن وكيع، قال: حدّثنا أبي، قال: كان الحسن بن زياد يلزم أبا حنيفة، فقال أبوه: لي بنات، وليس لنا غيره، فقال: أشر عليه بما ينفعه، فقال له: وقد جاء أن أباك، قال: كيت كيت، الزم، فإني لم أر فقيها قطّ فقيرا، وكان يجري عليه حتى استقلّ، ومثله في "المناقب" للموفّق بن أحمد المالكي (١ - ٢٦٤)، إلا أن فيه (حتى اشتغل) بدل (حتى استقلّ)، وهذا يدلّ على أن الحسن بن زياد كان ممن ينفق عليهم أبو حنيفة من تلاميذه، ليتمكّنوا من الانصراف إلى العلم إلى أن ينبغوا في الفقه، إلا أن الحسن بن زياد لم يكن من الرعيل الأول من أصحاب أبي حنيفة، بل تفقّه عليه في مبدأ أمره، ثم أصبح هلاله بدرا بعد أبي حنيفة بملازمته زفر وأبا يوسف وغربها من أصحابه، رضي اللّه عنهم أجمعين.
وكان والد الحسن بن زياد من موالي الأنصار، فنسب الحسن أنصاريا لذلك، ويذكره الموفّق المكّي في "المناقب"(٢ - ١٣٣) عند سرد أسماء أصحاب أبي حنيفة قائلا: ومنهم اليقظ النبيه، والفهم الفقيه، والورع النزيه، الحسن بن زياد اللؤلؤي. وسعة دائرة علمه، ويقظته البالغة، وورعه الشديد، موضع اتفاق بين فقهاء المذهب.