للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل "الكوفة"، فهي لغته. انتهى كلام ابن خلكان.

قلت: وهو مع ما اشتمل عليه من الصواب في الجواب لا يخلو من شائبة التعصب، حيث جزم بأن الإمام رضي الله تعالى عنه كان قليل العربية، بمجرّد كلمة صدرتْ منه على لغة أهل بلده، واستعملها غير واحد ممن يحتج بقوله في شعره، والحال أنه لم ينقل عن أحد من أهل اللغة وحملة العربية، أنه قال: إن كل من تكلَّم بكلمة غير فصيحة في عرض كلامه، على لغة أهل بلده، وهي غير شاذة، ولم يدونها في كتاب من كتبه، يكون لحَّانًا قليل العربية، هذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، مع كونه ممن يحتج بقوله في اللغة، قال في بعض تآليفه: "ماء عذب أو مالح"، فقال: "مالح"، ولم يقل: "مِلح"، وهي لغة شاذة، أنكرها أكثر أهل اللغة، ولم يقل أحدٌ في حقّه بسبب ذلك: إنه كان قليل العربية واللغة، ولكن جرى الأمر في ذلك على قول الشاعر (١):

وعَينُ الرِّضَا عن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلةٌ … كما أنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدِي المسَاويَا

وقد ذكر بعض من صنَّف في مناقب الإمام الأعظم، في حق الإمام الشافعي مِن مثل هذه المؤاخذات شيئًا كثيرًا، أضربنا عن ذكره، لعدم الفائدة، ولأن الأليق بكل إنسان أن يكُفَّ لِسانه عن التكلّم في حقّ مثل هولاء الأئمة، الذين اتفق الناس على علمهم، وصلاحهم، وعلوّ مقامهم، إلا بخير، فإنه قلما أطلق أحد لسانه في حق السلف، إلا وعُجلت له النكبة في الدنيا قبل الآخرة، عَصمنا الله من ذلك بمنّه وكرمه.


(١) هذا البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>