للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كتاب "الإعجاز في الأحاجي والألغاز". وقائل القول المستَفاد، الشعر المستجاد. نَظْمُه بديع صَنيع، وخاطره في إيداعه وإبداعه كلِّ معنى حسن جَرِيٌّ سريع، فشعره مُصَرَّع مُرصَّع، مُعْلَم بالعلم مُلَمَّع. بُرْدُه مُفَوّفٌ (١)، وسَهْمه مُفَوّقٌ (٢)، وعُودُه مُطيَّب (٣) مُوَرَّق، وشرابه مُرَوُّق، وبَحْره فيّاض، ودِرعه فَضْفاض، وضِرغامه للفضل فارس، ومَقوله على طِرْف الفَصاحة فارس، سمعتْ بسَيْره (٤) "الحِجاز" و"فارس". سوق الأدب قائمة بمكانه في سوق الكتب، وإذا حاورتَه لا تسمعُ منه غيرَ النُّكَت والنُّخَب. قلبه قليب المعنى، ونَحره بَحْره، وصَدْره مَصْدره، وسَحْره سِحْره، وخاطره غَيثُه الماطر، ولِيْثُه القاهر، وجَناته من الجِنان، فإنه مَعْدن الغُرِّ الحِسان، ولسانه كالسنان، والعَضْب اليَمان. عجيب الفَنِّ غَريبه، غَضُّ الفَنَن رَطِيبه.

مُقطّعاته أكثر من قصائده؛ فإنه يقَع له معنى، فيَنْظِمه بيتا أو بيتين في فَرائده. وقد ألَّف كل مُؤلَّف ظَريف، وأوْدَعَه كل كلام لطيف، ولا يكون اعتناؤه أكثر زمانه، إلا بالجمع والتأليف، وتصريف القول في التصنيف. ولم يزل مَجْمَعَ الفُضلاء دُكّانُه، ومَنْبَعَ الفَضْل مَكانُه.

قال العمادُ (٥): وكنتُ أحضُر عنده، وأقْدحُ زَنْده، واسْتَنْشِقُ بأنه ورَنْده، وهو يُنْشِدني ما يُنْشيه، ويُسَرّح ناظري فيما يُوشِّيه.

أنشدني لنفسه في وَصْف العِذار مُقَطِّعات أرقَّ من الاعتذار، غاص على ابتكار معانيها بالافتكار.


(١) برد مفوف: فيه خطوط بيض، وأيضا: رقيق.
(٢) فوّق السهم: وضعه في الوتر.
(٣) في الخريدة: "رطب".
(٤) في الخريدة: "بشائر سيره".
(٥) خريد القصر (العراق) ٤: ١: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>