إنه قياس، قلنا له: عبدت الشمس بالمقاييس، وأول من قاسَ إبليس، لعنه الله، حيث قال:{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.
فناظرهم أبو حنيفة يوم الجمعة في جامع "الكوفة"، وعرض عليهم مذهبَه كما ذكرنا، فقالوا: إنك سيّد العلماء، فاعف عنا؛ فإننا وقعنا فيك من غير تجربة ولا روية.
فقال لهم أبو حنيفة: غَفر الله لنا ولكم.
وروى أن أبا حنيفة كان يتكلم في مسئلة من المسائل القياسية، وشخص من أهل "المدينة" يتسمع، فقال: ما هذه المقايسة، دعوها، فإن أول من قاسَ إبليس.
فأقبل عليه أبو حنيفة، فقال: يا هذا، وضعت الكلام في غير موضعه، إبليس رد على الله تعالى أمره، قال الله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، وقال تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}، وقال:{إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}، فاستكبر ورد على الله أمره، وكل من رد على الله تعالى أمره فهو كافر، وهذا القياس الذي نحن فيه نطلب فيه اتباع أمر الله تعالى؛ لأنا نرده إلى أصل أمر الله تعالى في الكتاب، أو السنَّة، أو إجماع الصحابة والتابعين، فلا نخرج من أمر الله تعالى، ويكون العمل على الكتاب والسنَّة والإجماع، فاتبعنا في أمرنا إليها أمر الله تعالى، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} إلى قوله: {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، فنحن ندور حول الاتباع، فنعمل بأمر الله تعالى، وإبليس خالف أمر الله تعالى، وردَّه عليه، فكيف يستويان؟ فقال الرجل: غلطتُ يا أبا حنيفة، وتُبتُ إلى الله تعالى، فنوَّر الله قلبك كما نوَّرتَ قلبي.