راغبا عن مجلس الحُكم. فقال: غسلتُ أمس ثيابي، فلمِ تَجِفَّ، وأنا منتظرٌ جَفَافها، اجْلِس. قال: فجلستُ نتذاكر باب العبد يتزوَّج بغير إذن مولاه ما تقول فيه، وكانت الخَيْزُران قد وجَّهتْ على الطِّراز رجلا نصرانيا، وكتبتْ إلى موسى بن عيسى: لا تَعصَ له أمرا. فكان مُطاعا بـ"الكوفة"، وإذا بالنَّصْرانيِ قد خرج من زُقاق وبين يديه أعوانه، وعليه جُبَّةُ خَزٍّ وطَيْلَسانُ خَزٍّ، هو على بِرْذَوْن فارِهٍ، بين يديه رجلٌ مكْتوف، وهو يصيح: واغَوْثاه، أنا رجل مُسلم، أنا بالله وبالقاضي. فصاح شَرِيك بالنصْرانيِ: دَعْه. فنزل، وجاء، فجلس إلى شريك، فقال شريك للمسلم: ما الذي بك؟ فقال أنا رجل أعمل الوَشْيَ، وكِراءُ مِثْلِي في الشهر مائةُ درهم، أخذني هذا، فحبَسني أربعة أشهر في طِرازٍ، وقد ضاع عِيالي، ولم يُعْطِني شيئا، وطلبْتُ اليوم أُجْرَتي منه، فمدَّني وضرَبني، وكشف عن ظهره، فإذا فيه آثار السيّاط، فقال شريك للنصراني: قُمْ، فاجلس مع خَصْمك. فقال: يا أبا عبد الله، أصْلَحك الله، أنا خدم السَّيِّدة، مُرْ به إلى الحبس. فقال له: قُمْ وَيْلَك، فأجلس مع خَصْمك، فقام، فجلس معه، فقال شريك: ما هذه الآثار التي في ظهره؟ فقال: أنا ضربتُه بيدي. فألقى شريك كساءَه، ودخل دارَه، فأخرج سَوْطا زَنْديا، ثم ضرَب بيده إلى مجامع ثوب النَّصْراني، فألقاه، ثم جعل يضربه، ويقول: والله لا ضرَبت بعدها مسلما. فهَمَّ أعوانه أن يُخَلِّصوه، فقال شريك: من ههنا من صِبيان الحَيّ، خُذوا هؤلاء إلا الحَبْس، فهربوا والنَّصْراني يبْكي ويَعْصِرُ عَيْنَيْه، والسَّوطُ يأخذه، ويقول له: يا ملعون، والنصراني يقول: ستعْلمُ. ثم ألقَى السَّوط من يده في الدِّهْلِيز. وقال يا أبا حفص، خذ فيما كُنّا فيه، ما تقول في العبد يتزوَّج بغير إذن مولاه. كأنه لم يصنَع شيئا، فقام النصراني إلى بِرْذَوْنه ليركبَه، فاستعْصى عليه، ولم يكن له أحدٌ يأخذُ بِركابه، فجعل يضْربه، وشريك يقول له: وَيْحَك، وارْفُقْ به، فإنه أطْوَعُ لله منك، فقلتُ له: سيكون لهذا عاقبة