ولكن نوّره الله ضريح شيخنا التهانوي، فإنه لم يرض بذلك، إذ كان يرى أن المسلمين سوف تلم بهم النوازل تحت الحكومة الهندوكية أكثر مما ألمت بهم في الحكومة الغربية، ثم هذا الاختلاط بالهنادك يفضي إلى اندماج الإسلام الكفر، وفساد عقائد المسلمين، ودمار أخلاقهم، ودعارة أعمالهم، ولا يزال الوازع الديني يتناقص فيهم، حتى لا يبقى للأجيال الآتيهَ من تلادهم الثمين، إلا كلمة الإسلام خاوية عن حقيقتها، مقفرة عن روحها.
فكان يتمنّى أن يقوم بهذه الدعوة حزب من المسلمين، ويدعوهم إلى نظرية الإسلام، واجتياح أوثان الوطن التي وطئها نبيهم صلى الله عليه وسلم بقدمه.
وحقّق الله أمانيه بأن قام حزب مسلم ليك بنعرة باكستان، فأشار حكيم الأمة الشيخ أشرف علي التهانوي عامة المسلمين والعلماء بتأييد هذه الدعوة،، فقام بها كثير من عوام المسلمين والعلماء، وكان في مقدّمتهم الإمام الداعية شيخ الإسلام شبير أحمد العثماني، ومولانا الشيخ ظفر أحمد العثماني، وفضيلة شيخنا المفتي محمد شفيع، رحمهم الله، وهم الذين أسّسوا جمعية من العلماء باسم جمعية علماء الإسلام، حتى تجاهد في هذا السبيل، وتحضّ المسلمين على الاتحاد لحماية الدين، وتأييد فكرة "باكستانا".
وصرف شيخنا في القيام بهذا المشروع لياليه وأنهاره. ثم لما أصبح معظم التفاته إلى هذه الأشغال السياسية، التي لم يكن يرى نجاة المسلمين إلا بها، لم يجد وقتا للمضى في أشغاله التدريسية بدار العلوم، ولم يجد بدا من أن يفارقها بعد ما قضى في ساحتها معظم عمره، وانعزل عن التدريس والإفتاء بها في سنة ١٣٦٣ من الهجرة. وحينئذ صارت جميع أوقاته موقوفة على الجهاد في بناء "باكستان"، فتجوّل لأجله في أنحاء "الهند" وجوانبها، وأيقظ عوام المسلمين عن رقادهم بلسانه وقلمه، وأخبرهم بمكايد أعدائهم الكفّار.