الغربية الشمالية بجنب السلّم الحجري، الذي ينزل إلى السكن الطلابي المعروف بـ الدار الجديدة، من الطابق الثاني للمبنى المركزي للجامعة، إذ لفت انتباهي كلّه تنفّس مكبر الصوت الذي دوّى من فوق منارتي الجامع القديم للجامعة، في مفاجأة عجيبة وبصورة غير عادية، تبعه صوت متقطّع موقّع على أوتار الحزن، ينعي أكبر عالم ديني في شبه القارة الهندية: سماحة الشيخ محمد طيّب الرئيس السابق للجامعة.
فحسبت كأن هملايا للعلم والفضل قد هوى، وكأن الشعب المسلم الهندي أصيبوا بفاجعة غير مسبوقة. وهرعت الجامعة مسؤولين وأساتذة وطلابا وموظّفين ومنسوبين إلى منزله رحمه الله، تزوره جثّة في هذه الدنيا الفانية زيارة أخيرة، وتعزّي أهله وذويه في المصاب العظيم. وسرى الخبر في "ديوبند" وما جاورها سريان النار في الهشيم، وخرجت "ديوبند"، على بكرة أبيها إلى أبناء المرحوم، تقدم لهم التعازي وتشاطرهم الحزن، وإذاعة "دهلي" أذاعت الخبر بعد نحو ساعتين، ثم أذاعت بعض انطباعات بعض معاصريه عنه في ليلة ١٨ يوليو، كما ساهمت في ذلك إذاعة "باكستان" الشقيقة، والصحف والجرائد اليومية في البلدين، مما أطار الخير في الشرق والغرب.
وصُلِّي عليه في داخل الحرم الجامعي في محيط مولسري بعد صلاة العشاء في الساعة الحادية عشرة. وورّي جثمانه في المقبرة القاسمية الملاصقة للجامعة.
كان رحمه الله لدى وفاته في ٨٨ من عمره، وفعلت فيه الشيخوخة ما تفعل فيمن يبلغ هذه السنّ، وأنهكته الأمراض التي أصابته في الأيام الأخيرة، إلا أن قواه الفكرية لم تزل على ما هي عليه، حتى آخر لحظات حياته، فقد أصبح كالعادة، فصلّى الفجر، وتلا حزبه من القرآن الكريم، وقام بالأعمال الرتيبة اليومية، وفي نحو الساعة العاشرة استدعى أحد الأطبّاء الحاذقين في المدينة، وبدأ يشرح له ما طرأ عليه من الأحوال أخيرا، والطبيب واضع يده على نبضه، وما إن مضت دقائق حتى جعل النبض يفتر، وما هي إلا ثوان، حتى فاضت روحه إلى الرفيق الأعلى.