"ليس طلب الحديث من عُدَّة الموتِ، لكنه عِلّة، يتشاغل بها الرجل"، ما نصّه:
"قلت: صدق والله، إن طلب الحديث شيء غير الحديث، فطلب الحديث اسم عرفي الأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث، وكثير منها مراق إلى العلم، وأكثرها أمور يُشْغَفُ بها المحدّث، من تحصيل النسخ المليحة، وتطلُّب العالي، وتكثير الشيوخ، والفرخ بالألقاب، والثناء، وتمنّي العمر الطويل ليروي، وحبّ التفرَّد، إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية، لا الأعمال الربَّانية.
فإذا كان طلبك الحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات، فمتى خلاصُك منها إلى الإخلاص؟! وإذا كان علم الآثار مدخولا، فما ظنّك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان، وتورث الشكوكَ والحيرةَ؟ التي لم تكن والله من علم الصحابة ولا التابعين، ولا من علم الأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وابن أبي ذئب، وشعبة.
ولا والله عرفها ابن المبارك، ولا أبو يوسف القائل: من طلب الدين بالكلام تزندق، ولا وكيع، ولا ابن مهدي، ولا ابن وهب، ولا الشافعي، ولا عفَّان بن مُسلم - ولا أبو عبيد، ولا ابن المديني، وأحمد وأبو ثور، والمزني، والبخاري، والأثرم، ومسلم، والنسائي، وابن خزيمة، وابن سُريج، وابن المنذر، وأمثالهم، بل كانت علومهم القرآن، والحديث، والفقه، والنحو، وشبه ذلك. نعم، وقال سفيان أيضًا: فيما سمعه منه الفريابي: ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية فيه".
وقال في خاتمة الطبقة الخامسة (١)، التي ذكر فيها أبا حنيفة، ومالكا، والأوزاعي، وسفيان: "وفي زمان هذه الطبقة، كان الإسلام وأهله في عِزٍّ تامّ،