وكان والدُ صاحب الترجمة محمد حَنْبَلِيّ المذهب، واشْتَغل ولدُه عبد الله في الفقه، على مذهب الإمام الأعظم، رَضِيَ الله تعالى عنه، وحَفِظَ "القُدوريِّ"، ولم يَزَلْ يَدْأَبُ ويُحَصِّلُ إلى أن صار مُشارًا إليه في مذهب الحنيفة، ووَلِيَ تَدْرِيسَ عِدَّة مَدارِسَ.
قال اليُونِينِيّ: وكان القاضي شمس الدين من العلماء الأعْلام، تامَّ الفضيلة، وافرَ الدِّيانة، كريمَ الأخْلاق، حسَنَ العِشْرة، كثيرَ التَّواضُع، عَديمَ النَّظير، قليلَ الرَّغْبة في الدنيا، يقْنَعُ منها باليَسير، ولا يُحابِي أحدا في الحق، واشْتَغَل عليه خلقٌ كثير، وانْتفَع به جَمٌّ غَفيرٌ. انتهى.
ولما وقَعَتِ الحَوْطَةُ على أمْلاكِ الناس في أيّام الملِك الظاهر، وأخْرَج فَتاوَى الحنفية باسْتِحْقاقها بحُكْم أنَّ "دمشقَ" فتحها عمرُ بن الخطَّاب، رضي الله تعالى عنه عَنْوةً، أراد السلطان من القاضي شمس الدين أن يَحْكُم له فيها بمُقْتَضى مَذْهَبِه، فقال للسُّلطان: هذه أمْلاكٌ بأيْدِي أرْبابِها، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يتعرَّضَ لها، ثم نَهض من المجلس مُغْضبا، فانْحَرفَ السلطان من ذلك انْحِرافا شديدا، ثم سكَن، وصار بعدَ ذلك يُثْنِي على القاضي شمس الدين ويَمْدَحُه.
أقول: هكذا يَنْبغي أن تكونَ القضاةُ في القيام مع الحقِ على الباطل، لا يَخافون سَطْوَةَ ظالم، ولا إقْدام جاهل، لا تأخُذُهم في الله لَوْمَة لائم، ولا يَصُدُّهم عن الحقِّ رَهْبةُ ظالم، لا كغالب قُضاة زَماننا الذين اتَّخذوا الحُكّامَ لهم آلهة، يَعْصون الله ويُطيعونهم، ويُغْضِبون الله ويُرْضونَهم، يَحْكمون بالهوَى،