ما امْتُحِن الناس به في القول بخَلْق القرآن، وفكُشِف عنه، فما انْكَشَف عليه أنَّه أخَذَ حَبَّةً واحدةً.
ورُوِيَ أنَّه لما تَوَلَّى قضاءَ "الشَّرْقِيَّة" كَثُر من يُطالِبُه بفَكِّ الحَجْر فدعا بالأُمَناء، فقال لهم: مَن كان في يَدِه منكم مالٌ ليَتيمٍ فلْيَشْتَرِ له مَرًّ وزِنْبيلا يكونُ قِبَلَه، ولْيَدْفَعْ إليه مالهُ، فإن أتْلَفَه عَمِلَ بالمرِّ والزِّنْبيل.
وذكره ابنُ عساكرُ في "تاريخ دمشق"، وقال: قرأت في كتاب علي بن الحسين ابن محمد الكاتب، حدَّثنا محمد بن خَلَف، حدَّثنا وَكيع، قال: كان الخَلَنْجِيّ القاضي، واسمُه عبد الله بن محمد، ابنُ أُخْتِ عَلَّوَيْه المغَنِّي، وكان تيَّاها صَلِفا، فتقلَّد في خلافة الأمين قضاء "الشَّرْقِيَّة"، فكان يجلس إلى أسْطونةٍ من أساطين المسجد، فيَسْتند إليها بجميع جسده ولا يتَحرَّك، فإذا تقدَّم إليه الخَصْمان، أقْبَل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد، حتى يفْصِل بينهما، ثم يعودُ إلى حالِه، فعَمَد بعضُ المجّان إلى رُقْعةٍ من الرِّقاعِ التي يكتبُ فيها الدَّعاوَى، وألْصَقَها في موضع دبيته، وطلاها بدِبْق، وجاء الخَلَنْجِيّ فجلس كما كان يجلس، فالتصَقت دبيته بالدِّبق، وتمكَّن منها، فلما تقدَّم إليه الخُصومُ، وأقبلَ عليهم بجميع جسدِه كما كان يفْعَلُ، انْكَشف رأسُه، وبَقِيتْ الدبية في مَوضعها مَصْلوبةً، وقام الخَلَنْجِيّ مُغْضبا، وعلم أنَّها حِيلةٌ وقعتْ عليه، فغطّى رأسَه بطَيْلَسانِه، وقام، فانصرف، وتركَها مَكانَها، حتى جاء بعضُ أعْوانِه، فأخذَها،
وقال بعض شُعراء ذلك العصر فيه:
إنَّ الخَلَنْجِيّ مِن تَتَايُهِه … أثْقَلُ بادٍ لنا بطَلْعَتِه
ماتِيهُ ذي نَخْوَةٍ مُناسبة … بين أخاوِينه وقَصْعَتِه
يُصالح الخَصْمَ مَن يُخاصُمُه … خوفًا من الجَوْر في قَضِيَّتِه
قال: وشُهِرت الأبياتُ والقصَّة بـ "بغداد"، وعمل عَلَّوَيْه حكاية أعطاها الرَّفَّايين والمخَنَّثين، فأخْرَجوه فيها، وكان عَلَّوَيه يُعاديه لمنازعةٍ كانتْ بينهما،