وأخذ من علماء الحديث هناك، وحصل سندا عاليا، وأتى مدينة "قسطنطينية" في زمن السلطان بايزيد خان مع رسول أتاه من قبل السلطان الغوري ملك "مصر"، وكان القاضي بالعسكر وقتئذ ابن المؤيّد الفاضل، فزاره الشريف المزبور، وأكرمه غاية الإكرام.
وكان له شرح للبخاري، أهداه إلى السلطان بايزيد خان، فأعطاه السلطان جائزة سنية، وأعطاه المدرسة التي بناها بـ "القسطنطينية" ليقرئ فيها الحديث، فلم يرض الشريف، ورغب في الذهاب إلى الوطن، ولما انقرضت دولة السلطان الغوري بـ "مصر" أتى إلى مدينة "قسطنطينية" ثانيا، وعين له كلّ يوم خمسون درهما بطريق التقاعد، وأقام في "قسطنطينية" مدّة كثيرة إلى أن توفي في سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وقد قرب سنة من مائة.
كان رحمه الله تعالى عالما بالعلوم الأدبية كلّها، والحديث والتفسير، وكانت له يد طولى وسند عال في علم الحديث، وكانت له معرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد العربية، وكان له إنشاء بليغ ونظم حسن وخطّ مليح، ومن نظمه رحمه الله تعالى:
ما لي أرى أحبابنا في الناس … صاروا كمثل حبابنا في الكاس
صور تروقك عند أول نظرة … كاللؤلؤ المتناسق الأجناس
وإذا أعدت الطرف فيهم لم تجد … شيئا وصار رخاؤهم للياس
ومن نظمه رحمه الله تعالى أيضا عند شيبه:
أرعشني الدهر أيّ رعش … والدهر ذو قوة وبطش
قد كنت أمشي ولست أعيا … فاليوم أعيا ولست أمشي
وبالجملة كان رحمه الله تعالى صاحب خلق عظيم، وصاحب بشاشة، ووجه بسام بين الجمال والجلال، قسام.