أيضا من أفاضل عَصْره، وأكابر دَهْره، ولكن جُلُّ انْتفاعِهِ بالقراءة على والِده، ومنه صار مُلازِما، وعندَه ذكاءٌ مُفْرِطٌ، ومَيْلٌ إلى الاشتغال بالعلوم، وتَحْصيل الكمالات، ومَن كان مِثْلَه، مُسْتَوْفِيًا شُروط التَّحْصيل من العِزَّة، والدَّوْلَة، والسَّعادة، وكَثْرة الكُتُب، وسُرْعة الفَهْم، وعَدَم الاحْتياج إلى أحدٍ من الناس، كيف لا يَفوقُ أبْناءَ دهرِه، ولا يتقدَّم فُضلاءَ عصره! خُصوصًا إذا كان ذلك مع صِيانة العِرْض، والدين المتين، وتَرْكِ المعاصِي، ويَدُلُّ لذلك ما نُسِبَ إلى الإمام الشافعي، رضي الله تعالى عنه، حيث يقول:
شَكَوْتُ إلى وَكيعٍ سوءَ حِفْظِي … فأرْشَدَني إلى تَرْك المعاصِي
وقال العِلْمُ نورٌ من إلهٍ … ونورُ الله لا يُؤْتَى لِعاصِي
وقد وَليَ من المناصب العَلِيَّة، تَدْريسَ المدرسة الجديدة التي أنْشأها مَفْخَرُ الأغَوات المقَرَّبين غَضَنْفَرُ أغا، وهو الذى كان قابو أغا، عندَ حضرة السلطان، محمد خان الغازي، -نصره الله تعالى، وأدام أيَّام دَوْلَتِه، وخلَّد أوْقاتَ سعادَته، بمنِّه وكَرَمِه-، وهو أوَّلُ مَن درَّس بها، ثم وَلِيَ منها تَدريسَ إحْدَى المدارس الثَّمان، وهو الآن مُدَرِسٌ بالمدرسة المذكورة، لا يتْرُكُ الاشْتغال والإشْغال، والمطالعةَ والمراجعة، يوما واحدًا، وله هِمَّة عَلِيَّةٌ في مُساعدة أصْحابه وأتْباعه وإخْوانه، تارةً بماله، وتارةً بجاهه، -أدام الله تعالى النَّفْع بوُجودِه، آمين-.
ومن جمُلة من أحْسَن إليه بجاهه، وشفَع له عند أخيه قاضى القضاة مِرارًا عَديدةً، من غيرِ نَقْدٍ قدَّمْتُه إليه، لا وعْدٍ اعْتَمَد في شَفاعته عليه، بل الله تعالى، وهو الذي كان من أكْبَر الأسباب في حُصول مُراد الفقير من حضرة أخيه المشار إليه، رحمهما الله.