ورأيت على نسخة من الرسالة المذكورة أن مولانا عبد النبي صدر السلطان أكبر وصل إلى "مكة" بخيرات السلطان في سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، وقسَّمها على دفتر كان معه بمهور السلطان بمعرفة مولانا شيخ الإسلام القاضي حسين على أهل الحرمين، وتوجّه إلى "الهند" في رجب سنة تسع وثمانين وتسعمائة، وكان من أهل الخير والصلاح، انتهى.
وذكر مولانا عبد القادر البدايوني من أفاضل ذلك العهد في كتابه "منتخب التواريخ": أن جدّ مولانا عبد النبي كان مشتهرا في "الهند"، ومن كبار مشايخه، وأصله من البلدة المعروفة بـ "كنكوه" بالكافين الفارسيتين، بينهما نون سكنة، وبعد الواو هاء، طلب السلطان أكبر مولانا عبد النبي في سنة اثنين وسبعين بعد تسعمائة، وجعله صدر الصدور، وكان يعظمه غاية التعظيم، وبجضر في مجلس درسه، ويرفع نعليه، كيف لا، وقد كان مولانا عبد النبي من العُلماء الصالحين والفضلاء العاملين، دخل في الحرمين الشريفين مرات، وأخذ علم الحديث وغيره من مشايخهما، وكان يسلك على مسلك المحدّثين، ولما رأى الحاسدون هذه المرتبة حسدوا، وما زادهم الحسد إلا القلق، وكفاهم سورة الفلق، فاختاروا صنعة النميمة، وزادوا في العتوّ وشدة الشكيمة، وحين ما كان السلطان مقيما بلدة "فتح بور"، وقعت واقعة صارت سببا لتنزل الشيخ عبد النبي، وهي أن القاضي عبد الرحيم حضر عنده، وقال: إني كنت أردت تعمير مسجد في القصبة المعروفة بـ "متهرا" بفتح الميم وسكون التاء، بعدها هاء سكنة، بعدها راء مهملة، فعرضني كافر، وعمّر هناك معبده، فطلب مولانا عبد النبي ذلك الكافر، فسبّ ذلك الكافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاختلف العُلماء في قتله، فقيل: هو واجب القتل، وإليه مال مولانا، وقيل: لا، فاستجاز مولانا من السلطان لقتله، فلم يجزه صراحة، لكنه أجازه خفية، فقتل مولانا ذلك الكافر، فوقعت الفتنة العظيمة بقتله، وفاز الحسّاد بمطلوبهم، فعرضوا حضرة السلطان أن الحدود والقتل مما