للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان في أخْلاقه شَراسةٌ على مَن يقرءون عليه، ولم يكُن يلْبَسُ سَراوِيلَ، ولا على رأسه غِطاءٌ، وكان زاهدًا في الدنيا، وعرف الناس منه ذلك، وإلا كانوا يَرْمونه بالحجارة لهيئته، وكان يتكبَّر على أولادِ الأغنياء، وإذا رأى الطالبَ غريبًا أقْبَلَ عليه.

وكان متعصِّبًا لأبى حنيفة، محترمًا بين أصحابه.

وفى وردَ الوزيرُ عميدُ الدين إلى "بغداد"، اسْتَحْضَرَه، فاعْجَبَه كلامُه، فعرَض عليه مالا، فلم يقْبَله، فأعْطاه مُصْحَفًا بخَطِّ ابنِ البَوَّاب، وعُكَّازًا حمُلَتْ إليه من "الرُّوم" مَليحةً، فأخذهما، فقال له أبو علي بن الوليد المتكلم: أنتَ تحفظ القرآن، وبيدك عَصًا تتوكَّأ عليها، فلِمَ تأخُذُ شيئًا فيه. فيه شبهةٌ؟ فنَهض ابن بَرْهان في الحال إلى قاضي القضاة ابن الدَّامَغانيِّ، وقال له: لقد كِدْتُ أهْلِكُ حتى نَبَّهني أبو علي بن الوليد، وهو أصْغَر سِنًّا مِنِّي، وأريدُ أن تُعيدَ العُكَّازَةَ والمصحفَ إلى عميد الدين، فما يصْحَباني. فأخذهما، وأعادهما إليه.

وكان مع ذلك يُحِبُّ مُشاهدةَ المليح، وتحْضُرُه أولادُ الأمراء والرؤساء، فيُقَبِّلُهم بحضرة آبائهم، ولا يُنْكررن عليه ذلك؛ لعِلْمهم بدينه وورعِه.

مات في جُمادَى الآخِرة، سنة ست وخمسين وأربعمائهَ، رحمه الله تعالى. ومن شعره قوله (١):

أحِبَّتَنا بأبى أنْتُمُ … وسَقْيًا لكمْ أيْنما كنتمُ

أطَلَلْتُم عَذابي بمِيعادِكمْ … وقلتُم تَزُورُوا وما زُرْتُمُ (٢)


(١) الأبيات في إنباه الرواة ٢: ٢١٥، ودمية القصر ٢: ٥٠٤، وفوات الوفيات ٢: ٤١٢.
(٢) كذا في النسخ، وفوات الوفيات، والمؤلف ينقل عنه، وفي الإنباه والدمية "وقلتم نزور".

<<  <  ج: ص:  >  >>