نشأ بـ "حلب"، وأخذ بها عن جمع من محقّقي عصره، منهم: الشيخ جمال الدين البابولي، وجدَّ كثيرًا، حتى نال الرتبة العظيمة، وكان حديد الفهم، سريع الأخذ للأشياء الغامضة.
حكي: أنه دخل يومًا إلى مجلس النجم محمد بن محمد الحلفاوي خطيب "حلب"، فسأله عن مسئلة في الأصول، فلم يدرها، وكان النجم قصد أن يظهر زيفه، ويعرف أنه لم يشتغل في الأصول، فقام من المجلس، وانفرد بنفسه مدة في داره، وانكبّ على مطالعة الأصول، حتى عرف من نفسه أنه حصله، وأخذ بأطرافه.
ثم ذهب إلى النجم، وناظره في مسائل كثيرة من هذا العلم، فأربى عليه، وشهد له النجم بمعرفته، وكان النجم المذكور في هذا العلم ممن لا يدرك شأوه، وما زال بعد ذلك يترقى في الفضل، حتى انفرد، وولي إفتاء "حلب"، وتصدَّر بها، وأفاد، ودرس، وألقت إليه علماؤها أعنَّة التسليم، وتواتر خبر فضله.
وبلغني أن السيّد عبد الله بن الحجازي المقدّم ذكرُه كان طالب من الوزير الفاضل أيام انضمامه إليه أن يشفع له في منصب الفتيا عن الكواكبي عند شيخ الإسلام يحيى المنقاري، فلما فاوضه الوزير في ذلك قال له المنقاري: إذا عزل الكواكبي نضطر إلى أن نوجّه إليه منصبًا يليق به، ولا يليق به إلا منصبي، وقصد بذلك أن يكفّ الوزير عن هذا الأمر، فلم يذكره له بعد ذلك، وبقيت عليه الفتوى إلى أن مات.
وألف المؤلَّفات العديدة، منها:"نظم الوقاية" في الفقه، وشرح "نظمه" شرحا مفيدًا، وله "نظم المنار"، و"شرحه" في الأصول، و"حاشية على تفسير البيضاوي"، التزم فيها مناقضة سعدي، وأخرى ناقش فيها عصام الدين، و"حاشية على شرح المواقف" للسيّد، وغير ذلك من التحريرات، وله نظم ونثر وغاية اللطافة، فمن شعره قوله: