ثمَّ أتى مَدِينَة "قسطنطينية"، وَعرض الْحَاشِيَة الْمَذْكُورَة على الْمولى ابْن الْمُؤَيد، فقبلها حسن الْقبُول، واستحسنها غَايَة الاسْتِحْسَان، ثمَّ صَار مدرسا بمدرسة الْوَزير عَليّ باشا بِمَدِينَة "قسطنطينية".
وَكتب هُنَاكَ حَوَاشِي على نبذ من "شرح المواقف" للسيّد الشريف، ثمَّ صَار مدرسا بمدرسة "أزنيق"، وَكتب هُنَاكَ "رسَالَة الهيولي"، وَهِي رِسَالَة عَظِيمَة الشان جدا، ثمَّ صَار مدرسا بِإِحْدَى الْمدارِس الثمان.
وَكتب هُنَاكَ شرحا لـ"التجريد"، وَسَماهُ "المحاكمات التجريدية"، وَلم يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة، مِمَّا يتَعَلَّق بِالْكتاب الْمَذْكُور، إلا وَقد تعرض لما لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، ثم صَار مدرسا بمدرسة أيا صوفيه، وصنّف هُنَاكَ كتابا مُسَمّى بـ"مَدِينَة الْعلم"، وَجعلهَا ثَمَانِيَة أَقسَام، فأورد فِي كل قسم مِنْهَا، اعتراضات على ثَمَانِيَة من الْعلمَاء الْمَشْهُورين فِي الآفاق، كصاحب "الْهِدَايةِ"، وَصَاحب "الْكَشَّاف"، والعلامة الْبَيْضَاوِيّ، والتفتازاني، والفاضل الشريف، الْجِرْجَانِيّ، وَنَحْو ذَلِك.
ثمَّ ترك التدريس، وَعين لَهُ كل يَوْم سَبْعُونَ درهما بطرِيق التقاعد، وَله رِسَالَة، سَمَّاهَا بـ "نُقْطَة الْعلم"، ورسالة أخرى، سَمَّاهَا، بـ"فهرسة الْعُلُوم"، وَله رِسَالَة أخرى سَمَّاهَا بـ"معارك الْكَتَاتب"، ورسالة أخرى سَمَّاهَا بـ"السبعة السيارة"، وَله من الرسائل والتعليقات مَا لا يُحْصى كَثْرَة، بَقِي أكثرها فِي المسودة.
وَبِالْجُمْلَةِ: تَعب اللَّيْل وَالنَّهَار، وَلم يَنْفَكّ قلمه عَنِ الْكِتَابَة، وَلسَانه عَن المذاكرة، وطبعه عَن المطالعة، وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فَاضلا، محققا، مدققا، صَاحب ذكاء وفطنة، وحافظا للعلوم بأسرها، ومشتغلا بِالْعلمِ الشريف غَايَة الاشْتِغَال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute