كنت سَمِعت اسمه من الْوَالِد المرحوم، وَلم أتذكره الآن، ثمَّ قرأ على الْمولى شمس الدين الفناري، ثمَّ صَار مدرّسا بِبَعْض الْمدَارِس بِمَدِينَة "بروسا".
ثمَّ انْتَهَت اليه رياسة الدَّرْس وَالْفَتْوَى ومنصب الْقَضَاء بعد الْمولى شمس الدين الفناري، وَكَانَ مُعظما ومكرما عِنْد السُّلْطَان، مرضيا ومقبولا عند الخواص والعوام.
ودام على ذَلِك إلى أن ترك الْكل، وسافر إلى "الحجاز"، ثمَّ عَاد إلى بِلَاده، وَلم يتول شيئا من المناصب إلى أن مَاتَ، رَحمَه الله.
قرأ عَلَيْهِ جدّي مَوْلَانَا خير الدين رَحمَه الله، روى أن الْمولى يكان حكم بقضية، وَهُوَ قَاض بِمَدِينَة "بروسا"، فأنكر ذَلِك الحكم أولاد المولى الفناري، وهم كَانُوا بِهِ يتعصبون عَلَيْهِ لأمر، سَنذكرُهُ، فأرادوا عقد المجلس لذَلِك، فنصح لَهُم بعض المدرسين، وَقَالَ: إن هَذَا الرجل عَالم فَاضل، رُبمَا يجد الملخص فِي هَذَا الأمر، فَلم يلتفتوا إلي كَلَامه.
فعقدوا الْمجْلس، وَحضر الْمولى الْمَذْكُور، وَقَالُوا لَهُ: حكمك هَذَا مُخَالف لعدة من الْكتب، وأظهروا لَهُ النَّقْل مِنْهَا، فَقَالَ الْمولى الْمَذْكُور: إن الإمام زفر هَل هُوَ من الْمُجْتَهدين؟ فَقَالُوا: نعم، قَالَ: إني حكمت فِي هَذِه الْقَضِيَّة بمذهبه لمصْلحَة اقتضته، فإن قدرتم على نقض الحكم فانقضوه، فتحير الْكل لعلمهم بِأَن الْمَذْهَب الضَّعِيف يقوى باتصال الْقَضَاء بِهِ.
وَسبب تعصبهم عَلَيْهِ هُوَ أن الْمولى الفناري أراد أن يُزَوجهُ بنته، فَلم يقبل، لأنه كَانَ قد عهد مَعَ أستاذه السَّابِق بِأَن يتَزَوَّج بنته، فَلم ترض نَفسه بِنَقْض الْعَهْد.