ولما بدأ "الموطأ" يذيع في أوائل عهد المهدي رحل محمد إلى مالك، ولازمه ثلاث سنين، وجملة ما سمعه من لفظ مالك من الحديث نحو سبعمائة حديث مسند، كما صحَّ ذلك بطرق عنه، وسمع من سائر شيوخ "المدينة" فى هذه المرحلة زيادة على ما كان سمعه منهم في رحلاته السابقة، ولـ"لموطأ" نحو اثنتين وعشرين رواية تختلف زيادة ونقصا، يشير إلى بعض ذلك الدارقطني في جزء، ألفه فى اختلاف الموطآت واتفاقها.
أصحاب الإمام محمد وتلامذته:
ولما طار صيت الإمام محمد بن الحسن الشيباني في أقطار العالم، وسارت بتصنيفاته الركبان، قصده أناس من أقاصى البلدان للتفقه عنده، حيث كان بلغ أعلى مراتب الاجتهاد، وإن يحافظ على انتسابه لأبي حنيفة النعمان، عرفانا لجميل يده عليه في الفقه، ولم يضع استمراره على انتسابه هذا من مرتبته إلا عند من لا يعرف مراتب الرجال، ويصعب استقصاء من تخرج به، فنكتفي هنا بذكر جملة من أصحابه وتلاميذه، ليعلم أنه شيخ المجتهدين في عصره، فمنهم.
أبو حفص الكبير أحمد بن حفص العِجْلي، ومنه كان البخاري تلقى فقه أهل الرأى، و"جامع الثوري" قبل رحلاته، لأجل ذلك فاق البخاري سائر أصحاب الصحاح في الفقه وجودة الفهم، كما يشهد على ذلك "الجامع الصحيح" له، وأبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجانى، وبه انتشرت الكتب الستة ظاهر الرواية فى مشارق الأرض ومغاربها، وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، أحد الأئمة الأربعة أركان الإسلام، وأبو عبد الله قاسم بن سلام الهروي الإمام المجتهد الكبير، وعمرو بن أبي عمرو الحراني، ومحمد بن سماعة التميمى، وعلى بن معبد بن شداد الرقى من جملة