محمد بن الحسن تلك الأبيات، فذكر القصة، وقال: فأنفذ الكتب إليه في وقته، ومن المعلوم أن الشافعي لم يكن من الشعراء، الذين يتزلفون لكل وسيلة، فمثل هذا الكلام لن يصدر عن مثله إلا وقلبه يواطئ لسانه، وكان الشافعي قد رآى مالكا، ووكيع بن الجراح، وابن عيينة، وغيرهم، وقد اعترف في تلك الأبيات أنه لم ير مثل محمد بن الحسن، وأنه يمثل له علم أبي حنيفة وأبي يوسف، لم يدركهما الشافعي.
وقول الشافعي:"حملت عن محمد وقر بختي" صحيح، رواه ابن أبي حاتم، قال حدّثنا الربيع، قال سمعتُ الشافعي يقول: حملت عن محمد بن إسحاق حمل بختي ليس عليه إلا سماعي، قال أبو حاتم: حدّثنا أحمد بن أبي شريح الرازي، سمعتُ الشافعي، يقول: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين دينارا.
ومهم جدا أن يكون الشافعي حمل عن محمد حمل جمل كتبا، ليس عليها إلا سماعه وحده، لأن ما سمعه عليه ومعه العراقيون يكون عليه سماعه وسماع الآخرين، وأما الذي ليس عليه إلا سماعه فهو الذي سمعه هو خاصة في مجالس خاصة، كما فعل محمد بن الحسن مثل ذلك مع أسد بن الفرات، وأبي عبيد من أئمة عصره في عهد طلبهم للعلم، وهذا الصبر العجيب من محمد مع أصحابه وتلاميذه لا يشاركه فيه أحد عن الأئمة سوى أبي حنيفة فيما نعلم، وكم لمحمد بن الحسن من أياد بيضاء على الشافعي، حتى قال: أمنّ الناس علىّ في الفقه محمد بن الحسن، رواه الخطيب عن الحسن بن محمد الخلال عن علي بن عمرو الجريري، عن علي بن محمد النخعي، عن أحمد بن حمَّاد بن سفيان، عن المزني عنه (١).
(١) راجع: فوائد في علوم الفقه ٢٧١، ٢٧٢، والمنتظم لابن الجوزي، وجامع بيان العلم.