وَقد قرأت عَلَيْهِ فِي هَذِه الْمدرسَة جزأ من "شرح المواقف" للشريف الْجِرْجَانِيّ من أول مبَاحث الْكمّ، وَقد عرضت عَلَيْهِ فِي الدَّرْس الأول كلامين فِي حَاشِيَة الْمولى حسن جلبي على ذَلِك، فَقَالَ: قَرَأت هَذَا الْمقَام على الْمولى جوي زَاده، فعرضت عَلَيْهِ هذَيْن الْكَلَامَيْنِ، فاستحسنهما، ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ جزأ من كتاب "الْهِدَايَة".
ثمَّ نقل عَنْهَا إلى إحدى الْمدَارِس الثمان، ثمَّ إلى مدرسة السُّلْطَان سليم خَان بـ"قسطنطينية"، وَلما ابتنى السُّلْطَان سُلَيْمَان المدرستين الواقعتين بغربي الْجَامِع الَّذِي بناه بـ"قسطنطينية" وَجه إحداهما للمرحوم، والأخرى للْمولى عَليّ الشهير بحناوي زَاده.
ثمَّ قلد قَضَاء "الْقَاهِرَة"، ثمَّ نقل إلى قَضَاء "أدرنه"، ثمَّ إلى قَضَاء "قسطنطينية"، ثمَّ عزل، وَعين لَهُ كل يَوْم مائَة دِرْهَم، فَلَمَّا مضى عَلَيْهِ عدَّة شهور بغته أجله، وَهُوَ فِي أثناء الْوضُوء لصَلَاة الصُّبْح (وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة).
وَكَانَ يَقُول أوان تدريسه: لَا بُد أن أكون قَاضِيا بـ"قسطنطينية" المحمية، وَلَا أرى أن أتجاوز هَذَا المنصب، وَسُئِلَ يَوْمًا عَن سَبَب حُصُول ذَلِك الْعلم، فَقَالَ: إني أملقت جدا بعد عزلي عَن السِّرَاجِيَّة، وَلم أقدر على أخذ المنصب، فَعرض لي غَايَة القلق وَالِاضْطِرَاب، حَتَّى تَوَجَّهت إلى قُبُور بعض القصبات، فأخذني النّوم على هَذَا الْفِكر، فَرَأَيْت فِي مَنَامِي أستاذي الْمولى جوي زَاده، فدعاني، فَذَهَبت إليه، فَقَالَ: دع عَنْك هَذَا الْفِكر، فإنك تكون قَاضِيا بـ"قسطنطينية"، وَكَانَ الأمر كَمَا قَالَ.
كَانَ رَحمَه الله من الرِّجَال الفحول فِي كل مَنْقُول ومعقول، ذَا رَأْي أصيل، وفكر أثيل مهيب المنظر، عَجِيب الْمخبر، وَقد أوتي بسطة فِي اللِّسَان، وجراءة فِي الْجنان، وسعة فِي الْبَيَان، قوي المناظرة، سريع المذاكرة، شَدِيد الإيضام جَاره، وَلَا يشق غباره.