ثمَّ بدلتها مدرسة لاقْتِضَاء بعض الأمور، وشرطت لمن يدرس فِيهَا النَّقْل إلى الْمدرسَة، الَّتِي بنتهَا قبل ذَلِك فِي الْمَدِينَة المزبورة، فَنقل المرحوم عَنْهَا، إلى هَذِه الْمدرسَة بالوظيفة الْمَذْكُورَة، ثمَّ نقل إلى إحدى الْمدَارِس الثمان، ثمَّ إلى مدرسة أيا صوفيه بستين، ثمَّ إلى إحدى الْمدَارِس السليمانية، ثمَّ قلد قَضَاء "الْمَدِينَة المنورة".
ثمَّ نقل إلى قَضَاء "مَكَّة المشَّرفة"، وَلم يتَّفق لأحَد من عُلَمَاء "الرّوم" فِي سالف العصور تَوْلِيَة الْقَضَاء فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين غير الْمولى الْمَزْبُور، ولاختصاصه بِهَذِهِ الْفَضِيلَة من الْبَين لقبه أهل هَذِه الديار بقاضي الْحَرَمَيْنِ، وانتقل رَحمَه الله بِـ"مَكَّة المشَّرفة" فِي أوائل ذِي الحْجَّة سنة تسع وَسبعين وَتِسْعمِائَة.
وَقد وَقع وُصُول مَاء "عَرَفَات" بِـ"مَكَّة" فِي هَذِه السّنة، وَكَانَ يعْمل لَهُ فِي سنة سبعين بهمة السيّدة مهروماه بنت السُّلْطَان سُلَيْمَان، فإنها لما وصلت إليها قلَّة الْمِيّاه بِـ"مَكَّة" ومضايقة أهل الحْرم الشريف فِيهَا، وأخبرت بإمكان مَجِيء مَاء "عَرَفَات" إلى "مَكَّة"، شرفها الله تَعَالَى، قصدت إليه، واعتنت بعمارته، وأفنت فِيهِ أموالا جزيلة إلى أن تيسرت لَهَا هَذِه المثوبة الْعُظْمَى فِي السّنة المزبورة، فاتفق دُخُولهَا بِمَوْت الْمولى الْمَزْبُور، وَكَذَلِكَ مَجِيء الْحَاج فِي السّنة المزبورة، فاتفق أن اجْتمع فِي جنَازَته خلق كثير وجم غفير، من الْعلمَاء والصلحاء، وشهدوا لَهُ بِالْخَيرِ وَحسن الخاتمة، ودعوا لَهُ بالمغفرة الدائمة.
وَكَانَ المرحوم من أعيان أفاضل "الرّوم"، معدودا من الرِّجَال، مَذْكُورا فِي عداد أرباب الْفضل والكمال، نظيفا، وجيها، عَظِيم التؤدة وَالْوَقار، بِحَيْثُ نسبه النَّاس إلى الْغرُور والاستكبار، غفر لَهُ الْملك الْغفار.