ولقد وقفت في "تاريخ الذهبي" على ترجمة الشيخ الموفَّق بن قدامة الحنبلي، والشيخ فخر الدين بن عسكر، وقد أطال تلك، وقصَّر هذه، وأتى بما لا يشكّ الثبت أنه لم يحمله على ذلك إلا أن هذا أشعري، وذلك حنبلي، وسيقفون بين يدي ربّ العالمين.
وكذلك ما أحسن قول الشيخ الإمام:"وأن لا يغلبه الهوى"؛ فإن الهوى غلَّاب إلا من عصمه الله تعالى.
وقوله:"فإما أن يتجرّد عن الهوى، أو يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه" عندنا فيه زيادة، فنقول: قد لا يتجرّد من الهوى، ولكنّه لا يظنّه هوى، بل يظنّه لجهله، أو لبدعته حقًا؛ ولذلك لا يتطلّب ما يقهر به هواه؛ لأن المستقرّ في ذهنه أنه محقّ، وهذا كما يفعل كثير من المتخالفين في العقائد بعضهم في بعض، فلا ينبغي أن يقبل قول مُخالف في العقيدة على الإطلاق، إلا أن يكون ثقة، وقد روي شيئًا مضبوطًا عاينه أو حقّقه.
وقولنا:"مضبوطًا" احترزنا به عن رواية ما لا ينضبط، من التُّرَّهات التي لا يترتّب عليها عند التأمل والتحقّق شيء.
وقولنا "عايَنَه أو حقّقه" ليخرج ما يرويه عن من غلا أو رخّص ترويجا لعقيدته.
وما أحسن اشتراطه العلم، ومعرفة مدلولات الألفاظ، فلقد وقع كثيرون بجهلهم في جرح جماعة بالفلسفة، ظنًا منهم أن علم الكلام فلسفة، إلى أمثال ذلك، مما يطول عَدّة، فقد قيل في أحمد بن صالح، الذي نحن في ترجمته: إنه يتفلسف، والذي قال: هذا، لا يعرف الفلسفة. وكذلك قيل في أبي حاتم الرازي، وإنما كان رجلًا مُتكلمًا. وقريب من هذا قول الذهبي في المزني: إنه يعرف مضايق المعقول، ولم يكن الذهبي ولا المزني يدريان شيئًا من المعقول.