تخرّج في العلوم على الشيخ علي الفكري الأخِسْخَوي، وهو عمدته، وعلى عبد الرحيم بن يوسف الألَوي، شارح "عنقود الزواهر"، وهذا متأخّر عن ذاك في إحراز العالمية بنحو عشر سنوات، وأسانيدهما معروفة.
وكان شيخه الأخِسْخَوي عالي السند، شديدا على المبتدعة والملاحدة، لا يخاف في الله لومة لائم، ينكر المنكر بدون محاباة، حتى في محضرة السلطان، وقد صدرت منه فلتات عند سعى أصحاب الشأن من رجال الحكومة في إذاعة أزياء الفرنج في البلاد، فنفوه إلى "فِلِبَه"، على أن يكون مدرِّسا بمدرسة شهاب الدين باشا، وتوفي بها سنة ١٢٣٦ هـ، وقد جاوز الثمانين.
وبعد أن أبعد شيخه هذا أخذ الطلّاب ينفضّون من حول تلميذه الخاص الإسبيرى، خوفا على مستقبلهم، إلى أن لم يبق في حلقته غير طالبين اثنين فقط، وبها مصطفى بن عمر الوِدِيني، وسليمان بن الحسن الكِرِيدي.
وهما استوحشا أيضًا من انفرادهما في مجلس الأستاذ، بعد أن كان يزاملهما جمع عظيم في حلقة الأستاذ فذهبا يومًا إلى الشيخ الإسبيري، واستأذناه في الذهاب إلى حيث ذهب إخوانهما، فقال لهما الأستاذ: إن كانت المصلحة في ذلك فلا مانع من قبلي أصلا، إلا أني أرى أن تزيدوا على هذه الاستشارة استخارة، ثم تفعلون ما هو الخير.
فعادا فاستخار أحدهما، فرأى في المنام أنه دخل جامع الفاتح ليلا، فوجد قناديله مظلمة مطفاة، فإذا الأستاذ حضر، فأشعل الشمعين الكبيرين في جنبي المحراب بيده الكريمة، فاستنار الجامع، ثم أتيا إلى الأستاذ، وذكرا له الرؤيا، فقال الأستاذ: إن صدقت رؤياكم تنقطع سلاسل أهل العلم في جامع الفاتح، ولا يبقى فيه إسناد للعلم إلا من طريقيكما، بيد أن إنارة نوكما يلزم أن تتمّ على يدي، فاصبرا مدّة أخرى، لتنالا الإجازة منّى.