وحكى عن نفسه مرات أنه من حين خرج من "مصر" في صحبته إلى أن عاد إليها لم يصرف سوى قرش واحد، وهبه للجمال، وسببه محبة الأمير المذكور له وتقيده به.
ثم قدم إلى "دمشق"، وأقام بخلوة له في مدرسة الكلاسة، وعمرها عمارة فائقة، وحببت إليه العزلة، واستمر عمره كله مجردًا، وكان سمته غريبًا، لا يشبه أحدًا، وكان نديم الرؤساء والكبراء، يحاضرهم أحسن محاضرة، ويورد النكات البديعة والأشعار اللطيفة، ويحسن اللغة التركية جدًا، وكان مغرمًا بالجمال، ومضى عمره كله في نشاط وسرور، فلم ير إلا مسرورًا متبسمًا.
وكان سخيًا متعبدًا، يصوم غالب الأيام، وله شعر كثير في لسان القوم، وبينه وبين أدباء عصره مراسلات، من ذلك ما كتبه إلى الأديب محمد بن يوسف الكريمي ملغزا في غزال:
نراجع في الفضل أهل الكلام … ونأخذ عن كل حبر همام
ونسأل من ساحة الأكرمين … ونخضع للمجد لا للأنام
فنتبع من رفعته النفوس … ونترك من قدمته اللئام
فأختار طورًا زوايا الخمول … وطورًا أحب الأمور العظام
تراني على كل حال أرى … أسير الهوى ومليك الغرام
وما جرعة الحب إلا المنون … وما لوعة الهجر إلا الهيام
وما راحة العشق إلا العنا … ولا صحة الصب إلا السقام