إن قيل مَاتَ فَلم يمت من ذكره … حَيّ على مر اللَّيَالِي بَاقِي
وَذَلِكَ فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان من شهور سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة، وَكَانَ الْمولى المرحوم طودا من المعارف والعلوم، كاشف معضلات الْعُلُوم الْمَشْهُورَة، رَافع أستار الْفُنُون المستورة.
لَهُ فِي الْعَرَبيَّة أيد، يقصر عَنْهَا بَاعَ أبي عبيد، لَو طلع بغرته الغراء لفرّ من بَين يَدَيْهِ الْفراء، وَلَو رَأَيْت فِي الْفِقْه أبكار أفكاره اللطيفة لحكمت بأنه مُحَمَّد أوْ أبو حنيفَة، وَالْعجب أنه مَعَ ذَلِك الْفضل الباهر والتقدم الظَّاهِر لَيْسَ فِيهِ رَائِحَة عجب، وتيه حُلْو الفكاهة طيب المعاشرة، أبو المعارف أخو مكاشرة.
وَكَانَ رَحمَه الله عالي الهمة، عَظِيم الشأن، يرى إحسانه كل قاص ودان، يغبطه الْغَيْث على نواله، وينسج الْبَحْر على منواله، لم تَجِد رَاحَته بِدُونِ الْمَعْرُوف رَاحَة، حَيْثُ جبل على الْكَرم والسماحة، وَكَأَنَّهُ وجد الخيار لنَفسِهِ فِي خلقه، فَمن السخاء تَكُونَا، وإذا أخذ فِي العذل أقاربه وَمن يصاحبه، ويقاربه، يلاطفهم فِي الْجَواب، ويخاطبهم بِهَذَا الْخطاب: