للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انقطع إلى الزهد والعبادة، ووصل درجة لم يصل إليها أحد من المشايخ في عصره ومصره.

قال الكوباموي في "الفوائد السعدية": إنه اشتغل برياضات شاقة، قلّما يحتملها الإنسان، كأنه أفنى قواه في ذلك.

كان رحمه الله يصوم صوم الطيّ، ويقوم الليل كلّه، لا يغمض عينه، ولا يتوسّد، ولا يتوكّأ، ولا يستريح على الفرش، والبسائط، لئلا يطرقه النوم، وكان يبلّ المنديل والقلنسوة في الماء البارد، فيضعها على رأسه في الشتاء، وإذا ارتاح بالماء المسحّن في ليلة شاتية قام، واغتسل بالماء البارد هضما لنفسه.

وكان يحيى ليله بالذكر والمراقبة، ويداوم على الوضوء وكان يجلس في الأربعين، فإذا شارف الإتمام أفطر بصديق أو ضيف، ثم استأنف الأربعين، وهكذا يفعل مرة بعد مرة، ولا يظهر ذلك لأحد، ولا يذكر لهم أنه صائم، وكان إذا آذاه أحد يقبل إليه بشوشا، طيب النفس، لا يطعن عليه، ولا يلعنه، ولا يذكره إلا بالخير، وربما كان ينشد هذين البيتين:

هر كه ما را يار نبود ايزد أو را يار باد … هر كه ما را رنج داده راحتش بسيار باد

هر كه اندر راه ما را خارى نهد از دشمني … هر كلى كز باغ عمرش بشكفد بى خار باد

قال الشيخ سعد الدين الخير آبادي في بعض رسائله: إني صحبته عشرين سنة، فلم أره إلا مستقبل القبلة، كأنه قاعد في الصلاة، ما رأيت قدميه ممتدّتين أو منتصبتين أبدا في هذه المدة الطويلة، وما رأيته واضعا نعليه قبل القبلة أبدا، ولا خالعا قدميه من نعليه مستقبلا للقبلة، ما رأيته مستدعيا شيئا للأكل، ولا لابسا ثوبا من رغبته. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>