ذكره ركن الدين محمد الكنكوهي في "اللطائف القدّوسية"، قال: إنه كان عالما، صالحا، ديّنا، سليم الفطرة، يرجع عن قوله في أثناء البحث حين تظهر له الحقيقة، قال: جرت المباحثة بينه وبين الشيخ عبد القدّوس بن إسماعيل الحنفي الكنكوهي ببلدة "شاه آباد" في مسألة من المسائل الكلامية.
وهي أن القول لأحد بعينه: إنه من أهل الجنّة أو من أهل النار هل يجوز أم لا؟
فكان محمد بن المبارك يقول: إني لأقول لأحد بعينه: إنه من أهل الجنة أو من أهل النار فيما بيني وبين الله، ولا فيما بيني وبين الناس، وكان يستدلّ عليه بأن الطهارة عن الكفر، يعني الإيمان، شرط لدخول الجنة لأهلها، كما أن الطهارة للمصلّي شرط لصحة الصلاة، فإذا لم يوجد الإيمان في أحد يقينا أو شكّ في إيمانه هل يقال له بجواز دخول الجنة، مع أنه لا يقال بجواز صلاة أحد مع الشكّ في طهارته، وكلاهما شرطان بمشروطيهما، ولم يقل به أحد؟
فأجاب عنه الشيخ عبد القدّوس بأن القول بجواز الصلاة مبني على عدم الشكّ في الطهارة، وكذلك القول بجواز دخول الجنّة مبني عدم الشكّ في الإيمان، ولا يجوز الشكّ في إيمان أحد من أهل الإسلام يحكم بإسلامه وإيمانه عند الناس ظاهرا، فيحكم له بجواز دخول الجنّة عند الناس ظاهرا. وأما عند الله فلا يحكم به، لأنه غير معلوم لنا، ولا ضرر فيه، لأنه من أمور تتعلّق بالغيب، فلا يجوز القطع فيه لأحد غير صاحب الشرع، وهذا نظير الاستثناء في الإيمان، بأن قال: أنا مؤمن إن شاء الله، باعتبار أن الأمر مغيب بمكان الخوف بالله الجليل صاحب الكبرياء والعظمة، ولا يرى الشكّ في إيمانه، والعياذ بالله من ذلك!
وإن أبا حنفية لا يرى الاستثناء في الإيمان، فينبغي أن يقول: أنا مؤمن حقّا، باعتبار تحقّق الإيمان في الحال، وباعتبار حسن الظنّ بالكريم الغفور