وَمَات في سنة خمسين وَتِسْعمِائَة، قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: إذا أشكل عَليَ آيَة من آيَات الْقُرْآن الْعَظِيم أتوجه إلى الله تَعَالَى، فيتسع صَدْرِي، حَتَّى يكون قدر الدُّنْيَا، ويطلع فِيهِ قمران، لَا أَدْرِي أنهما أَيّ شَيْء، ثمَّ يظْهر نور، فَيكون دَلِيلا إلى اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فأستخرج مِنْهُ معنى الآية.
قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: إذا عملت بالعزيمة لَا أُرِيد النّوم إلا وَأَنا رَاقِد فِي الجْنَّة، وإذا عملت بِالرُّخْصَةِ لَا تحصل لِى هَذِه الحال، وَكَانَت لَهُ محبَّة عَظِيمَة فِي هَذَا العَبْد الحقير، وإنه من حملَة مَا افتخرت بِهِ، وَمَا اخْتَرْت منصب الْقَضَاء إلا بِوَصِيَّة مِنْهُ، كَانَ قد أوصاني بِهِ.
وَحكى لي أن وَاحِدًا من أصدقائه كَانَ قَاضِيا، ثمَّ ترك الْقَضَاء مُدَّة، ثمَّ دخل الْقَضَاء ثَانِيًا، وَكَانَ رجلا صَالحا صَدُوقًا، فسألته عَن سَبَب دُخُوله ثَانِيًا، فَقَالَ: كَانَ لي عِنْد قضائي مُنَاسبَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكنت أراه فِي الْمَنَام فِي كل أسبوع مرّة، فَتركت الْقَضَاء ليحصل لي زِيَادَة تقرب إليه على مَا كَانَ فِي الأول، فَبعد ترك الْقَضَاء مَا رَأَيْت كَمَا رَأَيْت فِي حَال الْقَضَاء، فرأيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَارَسُول الله إني تركت الْقَضَاء ليزِيد قربي مِنْكُم، فَلم يَقع كَمَا رَجَوْت، قَالَ: قَالَ رَسُول الله. صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إن الْمُنَاسبَة بيني وَبَيْنك أزيد عند القضاء من مناسبتك عند الترك، لأنك عِنْد الْقَضَاء تشتغل بإصلاح نَفسك وإصلاح أمتي، وعند الترك لَا تشتغل إلا بإصلاح نَفسك، وَمَتى زِدْت فِي الإصلاح زِدْت تقربا مني.
قَالَ الْمولى المرحوم: أنا صدقت كَلَامه، وَكَانَ الرجل صَدُوقًا، فأوصيك أن تخْتَار الْقَضَاء، وَتصْلح نَفسك، وَغَيْرك. هَذَا كَلَامه، قدّس سرّه.