وَكَانَ على ترك الدُّنْيَا والتجرّد من علائقها، كَمَا هِيَ طَريقَة شَيْخه.
ثمَّ توطّن بِمَدِينَة "دمشق"، وَلما فتحهَا السُّلْطَان سليم خَان ذهب إلى بَيت الشَّيْخ الْمَزْبُور مرَّتَيْنِ، وَفي الْمرة الأولى لم يجر بَينهمَا كَلَام، وجلسا على الأدب والصمت، ثمَّ تفَرقا.
وَفي الْمرة الثَّانِيَة قَالَ لَهُ الشَّيْخ محمد البدخشي: كِلَانا عبد الله تَعَالَي، وإنما الْفرق هُوَ أن ظهرك ثقيل من أعباء النَّاس، وظهري خَفِيف عَنْهَا، واجتهد أن لَا تضيع أمتعتهم، وَسُئِلَ عَن السُّلْطَان سليم خَان عَن اختِيَاره الصمت، فَقَالَ فتح الْكَلَام يَنْبَغِي أن يكون من العالي، وَلَا علو لي عَلَيْهِ، وتأدّب هُوَ أَيْضا، وَاخْتَارَ الصمت تنزلا مِنْهُ.
ثمَّ قَالَ: لما جَاءَ بديع الزَّمَان، وَهُوَ من أولاد السُّلْطَان حُسَيْن بيقرا إِلَى بِلَاد الرّوم جَاءَ إِلَيّ، وَمَا تَكَلَّمت أصلا، وَمَا تكلم هُوَ أيضًا تأدّبا.
وَحكي عن خواجه مُحَمَّد قَاسم وَهُوَ من نسل خواجه عبيد الله السَّمرقَنْدِي أنه قَالَ: ذهبت إلى خدمَة الْمولى إسماعيل الشرواني بن أصحاب خواجه عُبيد الله، ورغبني فِي مطالعة الْكتب، واعتذرت إليه بعَدَمِ مساعدة الْوَقْت، ثمَّ قُمت، وَذَهَبت إلى خدمَة الشَّيْخ مُحَمَّد البدخشي، فَقَالَ: كَأَنَّك جِئْت من عِنْد الْمولى إسمَاعيل، قلت: نعم، قالَ يرغبك فِي مطالعة الْكتب، قلت: نعم، قَالَ لَا تَلْتَفت إلى قَوْله: إِنِّي قرأت على عمي من الْقُرْآن الْعَظِيم إلى سُورَة العاديات، والآن لَيْسَ لي احْتِيَاج فِي الْعلم إلى الْمولى إسماعيل.
ثمَّ قَالَ: إنِّي أتعجّب من حَال الْمولى إسماعيل، وَمَا عرفت حَاله تَارَة أراه فِي أَعلَى علّيين، وَأرَاهُ تَارَة فِي أَسْفَل السافلين، قَالَ خواجه مُحَمَّد قَاسم، ثمَّ ذهبت إلى خدمَة الْمولى إسماعيل، وَقَالَ لي: لَعَلَّك كنت عِنْد الشَّيْخ مُحَمَّد البدخشي، قَالَ: قلت: نعم، قَالَ: مَنعك من المطالعة، قَالَ: قلت: نعم.