وكَذَا "شرح الْمطَالع" للعلامة قطب الدّين الرَّازِيّ كَانَ فِي حفظه من أوله إلى آخِره، وَكَانَت قَوَاعِد الْمنطق مَحْفُوظَة لَهُ بِحَيْثُ لَا يغيب شَيْء مِنْهَا عَن خاطره، وَكَذَا "التَّلْوِيح فِي شرح التَّوْضِيح"، وَ"شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب" للْقَاضِي عضد الدين مَعَ حَوَاشِيه فِي حفظه مَعَ إتقان وتدقيق، وَلم نجد شيئًا من قواعد العلم أصولها وفروعها، إلا وَهُوَ مَحْفُوِظ لَهُ، وَكَذَا "الْكَشَّاف" مَعَ حَوَاشِي الطَّيِّبِيِّ كَانَ مَحْفُوظًا لَهُ من أوله إلى آخِره.
وَبِالجمْلَةِ: كَانَ من مُفْرَدَات الدُّنْيَا، وجبلا من جبال الْعلم الشريف، وَمَعَ ذَلِك كَانَ لين الْجَانِب، طارحا للتكلف، ومتصفا بالأخلاق الحميدة، وَكَانَ مشتغلا بِقِرَاءَة الْقُرْآن الْعَظِيم فِي أَعم أوقاته، وَكَانَ يطالع من حفظه كلّ مَا أَرَادَهُ من الْعُلُوم، وَلم يكن عِنْده كتاب، وَلَا ورقة أصلا، وَقد اشْتغل ببلاده اشتغالا عَظِيما.
وَحكى لي بعض مجاهداته فِي الْعلم الشريف، وخطر ببالي عِنْد حكايته أنها خَارِجَة عَن طوق الْبشر، وَلكنهَا يسيرَة على من يسّر الله لَهُ، إنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدير على مَا يَشَاء.
وَلَيْسَ من الله بمستنكر … أن يجمع الْعَالم فِي وَاحِد
وَقيل:
وَلم أر أمثال الرِّجَال تَفَاوتا … لَدَى الْفضل حَتَّى عد ألف بِوَاحِد
وَقيل:
وإن تفق الأنام وأنت مِنْهُم … فأن الْمسك بعض دم الغزال