وَقَالَ لي يَوْمًا: هَل لَك إنكار على الصُّوفِيَّة؟
قلت: هَل يكون أحد ينكرهم؟
قَالَ: نعم.
قَالَ: حكى لي السَّيِّد البُخَارِيّ أنه كَانَ يقرأ بـ"بخارى" على وَاحِد من عُلَمَاء عصره، ثمَّ تَركه، وَذهب إلى خدمَة الْعَارِف بِالله تَعَالَى الشَّيْخ الإلهي، وَكَانَ الشَّيْخ الإلهي أيضا قد قرأ على ذَلِك الْعَالم، قَالَ: وزار الشَّيْخ الإلهى مَعَ السَّيِّد البُخَارِيّ يَوْمًا ذَلِك الْعَالم، وَقَالَ ذَلِك الْعَالم للسَّيِّد البُخَارِيّ بِأَيّ شَىْء تشتغل؟ قَالَ: قلت: تركت الِاشْتِغَال بِالْعلمِ، فأبرم عَلىّ، قَالَ: قلت: اشْتغل بمرصاد الْعباد، قَالَ: قَالَ: ذَلِك الْعَالم تشتغل بِمثل ذَلِك الْكتاب، وإن أعقل الْعُقَلَاء، هم الحُكَمَاء، وَقَالَ صَاحب ذَلِك الْكتاب فِي حَقهم: إن الْحَكِيم كَافِر مُحَقّق، قَالَ: وَغَضب عَليّ، وطردني، وطرد الشَّيْخ من مَجْلِسه.
فَلَمَّا حكى الشَّيْخ مَحْمُود جلبي هَذِه الحِكَايَة، قلت: الْمُنكر مبتلى بإنكاره، وأما الْمُعْتَرف الْغَيْر السالك إلى طريقهم أَفلا يكون حَاله أقبح من حَال المنكرين، قَالَ: لَا، بل الِاعْتِرَاف يجذبه آخرا إلى طَرِيق الحُمق، ثمَّ قلت: إنا نجد فِي بعض كتب التصوف شَيْئا، يُخَالف ظَاهر الشَّرْع، هَل يجوز لنا الإنكار عَلَيْهِ؟ قَالَ: بل يجب عَلَيْكُم الإنكار عَلَيْهِ إلى أن يحصل لكم تِلْكَ الحالة بعد حُصُول تِلْكَ الحالة، يظْهر لكم مُوَافَقَته للشَّرْع، هَذَا مَا جرى بيني وَبَينه.
توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة (هُنَا بَيَاض فِي الأصل) وَتِسْعمِائَة، قدّس الله روحه الْعَزِيز.