للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الغمار، واقتحم الأخطار، وَقضى من الْعُلُوم الأوطار، وَبينا هُوَ يسيح فِي عَالم فسيح عَارِيا عَن الرباق، وسائحا فِي عَالم الإطلاق إذ هبت الرِّيَاح من رياض الحقِيقَة، وأومضت البروق من أراضي الطَّرِيقَة، وتنفس النسيم من ربع الحبيب، فأشعل نيران الْمحبَّة، فهاج كل قلب كئيب، وَقَالَ: كل يَعْقُوب متلهف {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}، وأخذ الصِّبَا فِي الهبوب، وَذكر صباحة المحبوب، وَشرع فِي وصف ليلى بما هُو ألذ، وأحلى، فَمَلأ الآفاق صياح العشاق.

فَلَمَّا قرع هَذَا الهديل سَمعه أشرق عَلَيْهِ من نور الْمحبَّة لمعه، وهجم عَلَيْهِ الشوق والغرام، وَغلب الوجد والهيام، وَاسْتولى عَلَيْه سُلْطَان الْهوى، وأغار جنود الْعِشْق والجوى، فَقامَ بِالْقَلْب العليل إلى طلب المرشد وَالدَّلِيل، فساقته عناية الْبارِي إلى خدمَة الشَّيْخ أحْمَد البُخارِيّ، فَوجدَ النَّجْم الْهادِي فِي الغيهب المتمادي وَالطَّرِيق الأسهل فِي بيداء مجهل، فَقبل يَده، وتشبّث بذيله، وَأخذ فِي الاجْتِهَاد بيومه وليله، وَدخل بِحسن الإرادة فِي ربقة التَّسْلِيم وَالْعِبادَة، وتبتل إلى الله فِي سرّه وإعلانه، وجد، واجتهد، وتميّز عَن أقرانه.

بينا هو فِي السَّعْى والمجاهدة، إذ ابْتُلِيَ بالأمراض الهائلة، فَحصل من علم الطِّبّ الطّرف الْعَظِيم، حَتَّى اشْتهر باسم الحكِيم، وانتفع النَّاس بطبابته، كَمَا انتفعوا فِي طَرِيق الحق بحذاقته.

وَتُوفّي رَحمَه الله سنة أرْبَع وَسبعين وَسَبْعمائة، وَدفن بحظيرة الشَّيْخ ابْن الْوَفَاء بِقرب الشَّيْخ عَليّ السَّابِق ذكره.

كَانَ المرحوم من أجلة مَشَايخ الرّوم، صَاحب الكرامات الْعلية، والمقامات السّنيَّة، كثير النَّفْع للْمُسلمين، رَفعه الله تَعَالَى فِي أعلى عليين.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>