اليمن مفتي "حلب" لما قارب الوفاة فرغ لابنه إبراهيم المقدم ذكره عن الفتوى، فلما أرسل عرضه إلى دار السلطنة كان صاحب الترجمة بها، وكان يتطلب من شيخ الإسلام أمورًا يستصعبها، فوجد الفتوى أسهل وأنفع له، فوجهها إليه مع المدرسة الخسروية، ولم يعتبر عرفي القاضي، ثم قدم إلى "حلب" مفتيًا، ورأس بها، وعلت حرمته.
ثم لما جاء السلطان مراد إلى "حلب" وفي صحبته شيخ الإسلام المذكور أراد الشيخ إبراهيم الشكاية إلى السلطان باعتبار أنه أعلم من صاحب الترجمة، فوجد لشيخ الإسلام اليد الطولى عند السلطان، فعرض الأمر عليه، فزجره زجرًا عنيفًا، ثم قال له: مهما أردت من المناصب أسعى لك فيه إلا الفتوى، فلم يقبل شيئًا حنقًا.
ثم أضاف شيخ الإسلام لابن العلبي صاحب الترجمة قضاء "أدلب الصغرى"، ولم ينل هذه الرتبة من تقدمه من مفتيه "حلب" خصوصًا، ولا الإخوة الثلاث: أبو الجود، ومحمد، وأبو اليمن مع اتساع علومهم ورفعة مقامهم، وابن العلبي هذا بالنسبة إليهم في الفضل بمثابة تلميذ لهم، ولا تتأتى له هذه المثابة، فإنه كان مشهورًا بالجهل.
وكان في أمر الفتاوى إنما هو صورة ممثلة، والذي ينظر أمرها رجل كان يكتب له الأسئلة يعرف بابن ندى، ومن غريب ما وقع لصاحب الترجمة أنه حضر يومًا الجامع، فأحضرت جنازة، فقدم للصلاة عليها إمامًا، فكبر خمسًا، فقال فيه السيّد أحمد بن النقيب هذه:
ومذ مصطفى صلى صلاة جنازة … وكبر خمسًا أعلن الناس لعنه
فقلت اعذروه إنه قلد الندى … ومن قبل في الفتوى لقد قلد ابنه
يشير إلى قول أبي تمام في قصيدته التي رثى إدريس بن بدر، ومطلعها: