ثمَّ دخل بِلَاد الْعَجم، وَقَرَأَ هُنَاكَ على عُلَمَاء عصره، وَكَانَ الْمولى عبد الرَّحْمَن الجامي شَرِيكا لدرسه، ثمَّ أتى بِلَاد الرّوم، وتوطَّن بـ "قسطنطينية" فِي أول فتحهَا، ثمَّ أصابه الخذلان من الله سُبْحَانَهُ، وانبلي بِالْخمرِ إلى أن مَاتَ.
وَكَانَ الْمولى الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: كَانَ الصِّحَاح للجوهري فِي حفظ الْمولى المليحي، قَالَ: وَإِذا أشكل علينا لُغَة كُنَّا نرْجِع إليه، وَكَانَ يقْرَأ علينا من "الصِّحَاح" مَا يتَعَلَّق بِتِلْكَ الْكَلِمَة من حفظه. حكى وَاحِد من بعض الصلحاء أنه قَالَ: زرت الْمولى عبد الرحمن الجامي، وَكنت مُتَوَجَّها إلى "الرّوم"، فَدفع إليَّ الْمولى عبد الرحمن الجامي رِسَالَة من تصنيفاته، وَقَالَ: كَانَ لنا شريك مدعُو بالمولى المليحي، والآن أسْمَعْهُ بِمَدِينَة "قسطنطينية"، فَخذ هَذِه الرسَالَة مَعَك، وادفعها إِلَيْهِ هَدِيَّة مني إِلَيْه.
قَالَ الرَاوِي، فَأتيت مَدِينَة "قسطنطينية"، وَطلبت الْمولى المليحي، وَأَنا أظن أنه من الْعلمَاء الصلحاء لأجل صحبته مَعَ الْمولى الجامي، فأخبرت أنه فِي بَيت الخمارين، فَوَجَدته، وأوصلت إليه السَّلَام من قبل الْمولى الجامي، وَدفعت الرسَالَة إليه، فَبكى بكاء عَظِيما، وَقَالَ: إن الْقدر سَاقه إلى الصّلاح، وساقني إلى الْفُجُور.
وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا، وَلم يقبل الرسَالَة، وَقَالَ: لَا يَلِيق بِسوء حَالي أن أنْظُر إلى مثل هَذِه الرسَالَة الشَّرِيفَة، فأعطاني الرسَالَة، فَقُمْت، وسلمت عَلَيْهِ، وفارقته، وَهُوَ يبكي بكاء شَدِيدا، تأسّفا على مَا مضى، وندامة على الْحَال، وخوفا من الْعَاقِبَة والمآل، سامحه الله تَعَالَى وَغفر لَهُ إنه وَاسع الْمَغْفِرَة.
رُوِيَ أن السُّلْطَان مُحَمَّد خَان سمع أن الْمولى المليحي شرب الخْمر فِي سوق البزازين، وصب الْخمر على النَّاس، فَأمر الخمارين بَأن لَا يعطوه خمرًا،