ثم صار مدرّسًا في بعض المدارس بـ "ديار العرب"، وألقى بها يسيرًا من الدروس، بحضور من لا يعترضه، لا في الخطأ ولا في الصواب.
ولم يزل طالبًا للقضاء، راغبًا في تحصيله، طائرًا إليه بأجنحة الطمع الزائد، وحبّ الرياسة المفرطة، إلى أن بلغ منه مُراده، وصار يتولاه تارة، ويعزل منه أخرى.
ومن جملة البلاد التي ولي قضاءها قوّة، و"البحيرة"، و"الجيزة"، و"الخانقاة السرياقوسية"، وغيرها.
وكان يعامل الرعايا بكلّ حيلة يعرفها، وكلّ خديعة يقدر عليها، ويتوصّل بذلك إلى أخذ أموالهم، والاستيلاء على أرزاقهم، فحصل من ذلك أموالًا جزيلة، لا تُعدّ ولا تُحصى، وأضافها إلى ما ورثه من مال أبيه، وهو فيما يقال عنه كثير جدًّا، ومدّة عمره وجميع دهره ما رؤي، ولا سمع، أنه تصدّق على فقير بكسرة ولا درهم نقرة، ولا أضاف غربيًا، ولا وصل قربيًا، وأما إخراج الزكاة فما أظنّ أنه قرأ لها بابًا، ولا رأتْ عينه لها أصحابًا.
وأما الكتب النفيسة فإن عنده منها ما ينوف على أربعين ألف مجلّد، وأكثرها من كتب الأوقاف، وضع يده عليها، ومنع أهل العلم من النظر إليها، وطالت الأيام، ومضى عليها أعوام، ونسيتْ عنده، وغيّر شروطها، ومحا ما يستدل به من كونها وقفًا من أوائلها وأواخرها، وزاد ونقص، وصارت كلّها ملكًا له في الظاهر، ولم يخف الله ولا اليوم الآخر.
وقد شاع وذاع، وملأ الأفواه والأسماع، أن أجرة مسقعات أملاكه وأوقافه تزيد كل يوم على عشرين أو ثلاثين دينارًا ذهبا.
وقد وصل إلى دقاقة الرقاب، وهو لا يزداد في الدنيا إلا طمعًا، وفي القضاء إلا حبّا، وكانتْ نفسه الأمارة تطمعه في أن يصير قاضيًا بخمسمائة