قال: وكان بينه وبين ابن عيينة يومئذ متباعد، فقال لي: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، واحتجنا إليه.
فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدركك، قتلت.
فأرسل إلى سفيان، وفزع إليه، فدخل سفيان على العثماني -يعني متولي مكة- فكلمه فيه، والعثماني يأبى عليه.
فقال له سفيان: إني لك ناصح، هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، فتشخص لمناظرتهم.
قال: فعمل فيه كلام سفيان، فأمر بإطلاقه.
فرجعت إلى وكيع، فأخبرته، فركب حمارا، وحملنا متاعه، وسافر، فدخلت على العثماني من الغد، فقلت: الحمد لله الذي لم تبتل بهذا الرجل، وسلمك الله.
قال: يا حارث، ما ندمت على شيء ندامتي على تخليته، خطر ببالي هذه الليلة حديث جابر بن عبد الله، قال:
حولت أبي والشهداء بعد أربعين سنة، فوجدناهم رطابا يثنون، لم يتغير منهم شيء.
ثم قال الفسوي: فسمعت سعيد بن منصور يقول: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع، وقالوا: إذا قدم عليكم، فلا تتكلوا على الوالي، وارجموه حتى تقتلوه.
قال: فعرضوا علي ذلك، وبلغنا الذي هم عليه، فبعثنا بريدا إلى وكيع أن لا يأتي المدينة، ويمضي من طريق الربذة، وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلما أتاه البريد، رد، ومضى إلى الكوفة.