يحيى فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَاقعَة تَغَيَّرت بهَا أحواله، فالتجأ إلى خدمَة الشَّيْخ صدر الدّين الخلوتي، ولازم خدمته، فكره وَالِده ذَلِك لدُخُوله الْخلْوَة مَعَ الصُّوفِيَّة مَعَ هَذَا الْجمال، وَأنكر على الشَّيْخ صدر الدّين أيضا لإذنه لَهُ فِي ذَلِك، وقد نصح لِابْنِهِ السَّيِّد يحيى مَرَّات، فَلم ينفع حَتَّى قيل: إنه قصد إهلاك الشَّيْخ صدر الدّين، وَاتفقَ فِي بعض تِلْكَ اللَّيَالِي أن السَّيِّد يحيى لم يحضر الْجَمَاعَة فِي صَلَاة الْعشَاء لاشتغاله بصفاء التَّنور، وَكَانَت الأيام أيام الشتَاء، فتعطل رِجْلَاهُ، وَحصل لَهُ وجع، وَبَقِي أَيَّامًا على تِلْكَ الْحَالة، فَدخل الشَّيْخ لَيْلَة بَيته من كوَّة الدَّار، فأخذ بِيَدِهِ، وَقَالَ: قُم يَا وَلَدي! فاندفعت تِلْكَ الْعلَّة عَنهُ، واطلعت جَارِيَة على هَذِه الْحَالة، فأخبرت بهَا وَالِده، فَزَاد إنكاره عَلَيْهِ، وَقَالَ لوالده لأيّ سَبَب دخل شيخك من الكوة، وَلم يدْخل من الْبَاب، وأنت تعتقد أنه متشرعّ، فَقَالَ السَّيِّد يحيى خَافَ من الشوك فِي الطَّرِيق، قَالَ وَأيّ شوك هُوَ، قَالَ: أفكارك عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِك زَالَ إنكاره، ولازم هُوَ أيضا خدمَة الشَّيْخ الْمَذْكُور.
رُوِيَ أن الشَّيْخ صدر الدّين أمر السَّيِّد بهاء الدّين أن يخْدم نعل وَلَده سنة ليحصل لَهُ المجاهدة بذلك، وَكَانَ السَّيِّد يحيى يتأثر من ذَلِك غَايَة التأثر إلى أن امْرَهْ الشَّيْخ صدر الدّين أن يخْدم نعل وَالِده، ثمَّ أن الشَّيْخ صدر الدّين لما مَاتَ وَقع خلاف بَين السَّيِّد يحيى وَبَين الشَّيْخ بير زَاده، لأنه كَانَ قديم الصُّحْبَة مَعَ الشَّيْخ صدر الدّين، وَمَعَ ذَلِك كثر إقبال النَّاس على السَّيِّد يحيى، وَلِهَذَا الْخلاف انْتقل السَّيِّد يحيى من شماخي إلى بَلْدَة "باكو" من ولَايَة "شرْوَان"، وتوطن هُنَاكَ، وَاجْتمعَ عله النَّاس مِقْدَار عشرَة آلَاف نفس وَنشر الْخُلَفَاء إلى أطراف الممالك، وَهُوَ أول من سنّ ذَلِك، وَكَانَ يَقُول: يجوز إكثار الْخُلَفَاء لتعليم الآداب للنَّاس.