فقال النبي عليه السَّلام ما لكم لا تنتهبون، قالوا: أو ليس قد نهيت عن النهبى، فقال: إنما نهيت عن نهبى العساكر، فانتهبوا. وساق الخطيب بطريق علي بن حرملة التيمي عن أبي يوسف، قال: كنت أطلب الحديث والفقه، وأنا مقل رث الحال، فجاء أبي يوما، وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفت معه، فقال: يا بني! لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة، فإن أبا حنيفة خبزه مشوي، وأنت تحتاج إلى المعاش، فقصرت عن كثير من الطلب، وآثرت طاعة أبي، فتفقدني أبو حنيفة، وسأل عني، فجعلت أتعاهد مجلسه، فلمّا كان أول يوم أتيته بعد تأخّري عنه، قال لي: ما شغلك عنا؟ قلت: الشغل بالمعاش، وطاعة والدي، فجلست، فلما انصرف الناس دفع إليّ صرة، وقال: استمتع بهذه، فنظرت فإذا فيها مائة درهم، فقال لي الزم الحلقة، وإذا نفدت هذه، فأعلمني، فلزمت الحلقة، فلما مضت مدة يسيرة دفع إلى مائة أخرى، ثم كان يتعاهدني، وما وأعلمته بخلة قط، ولا أخبرته بنفاد شيء، وكان كأنه يخبر بنفادها، حتى استغنيت، وتموّلت.
ثم قال الخطيب: وحكي أن والد أبي يوسف مات، وخلف أبا يوسف طفلا صغيرا، ثم ساق بسنده حكاية أمّه وتسليمها إياه لقصَّار وهربه إلى مجلس أبي حنيفة، وشكوى أمّه إلى أن قال أبو حنيفة لها:(هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق)، وأكل أبي يوسف ذلك في مائدة الرشيد، لكن هذه حكاية لا أصل لها، وقد انفرد بروايتها محمد بن الحسن بن زياد النقّاش المقرئ صاحب "شفاء الصدور" في التفسير وهو كذّاب مشهور، وثناء أبي عمرو الداني عليه من عدم علمه بأحواله لبعد داره عن الشرق، والتعويل على الرواية السابقة حيث لا مأخذ في رجال سندها، إلا أن الخطيب حذف من آخرها بعد (تمولت) ما لفظه: فلزمت مجلسه، حتى بلغت حاجتي، وفتح الله لي ببركته وحسن نيته ما فتح من العلم والمال، فأحسن الله عني مكافأته، وغفر