وقال طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد: أبو يوسف مشهور الأمر ظاهر الفضل، وهو صاحب أبي حنيفة وأفقه أهل عصره، ولم يتقدّمه أحد في زمانه، وكان النهاية في العلم والحكم والرياسة والقدر، وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل، ونشرها، وبثَّ علم أبي حنيفة في أقطار الأرض، كما حدّث بذلك الخطيب عن التنوخي عنه، فأوليته في وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة لا تنافي أولوية الشافعي في وضع الكتب في أصول الشافعي، بل صنيع الشافعي في مناقشة من تقدّمه في مسائل الأصول في كتبه من أجلى الأدلة على أن أوليته بالنظر إلى مذهبه فقط، مع ظهور هذا يسعى بعضهم في إرهاق (وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة)، وبتحميله ما لا يحتمله من المعنى، فإن كان لا بدّ من ردّ هذا القول فليتذرع إلى ذلك بنسبة قائله إلى الاعتزال، نسأل الله العافية.
قال الذهبي في ترجمة أبي يعلى الموصلي: قال أبو علي الحافظ: لو لم يشتغل أبو يعلي بكتب أبي يوسف، على بشر بن الوليد لأدرك بـ "البصرة" سليمان بن حرب وأبا الوليد الطيالسي. اهـ.
وهذا دليل على كثرة كتب لأبي يوسف كثرة بالغة، لأن الرواة عنده سرعة بالغة في سماع الكتب، وتلقّيها، وكم بينهم من يتم "صحيح البخاري" في ثلاثة أيام، ولولا الكثرة المفرطة في مؤلّفات أبي يوسف لما حال تلقيها دون إدراك الشيخين المذكورين، ليعلو سنده بهما، وكثرة مجلّدات بعض الكتب مدعاة لضياعها، وفي "كشف الظنون" إن الأمالي لأبي يوسف في ثلاثمائة مجلد، ولو كان كلّ مجلد عبارة عن جزء حديثي لكان الكتاب يعد أيضا كبيرا جدّا بالنظر إلى عصره، على أنا رأينا في كلام القرتبي السالف الذكر ما نصّه: ومن مناقب أبي يوسف أنه صنّف التصانيف المبسوطة، من ذلك الإملاء،