العرب وأنباء الأول وما إلى ذلك من المعارف، التي يحتاج إليها في الحياة الجديدة، فأحس بذلك أبو يوسف، ولم يسترسل معه في الكلام، بل اقتصد في الحديث، وتفرّغ في خاصّة نفسه لتلك المعارف، حتى حاز خبرة واسعة فيها بذكاءه وقوة حافظته في مدّة يسيرة، إلى أن سنحت فرصة التحدّث مع الوزير في موضوع منها، فنال لديه كلّ إعجاب ودهش بواسع اطلاعه في هذه المعاني أيضا، وظنّ به أن له اشتغالا قديما بتلك المعارف زيادة على ما له من المعلومات الواسعة في سائر المعلوم، فحاز كلّ إجلال، كما هو معروف في كتب التاريخ.
وأخرج ابن أبي العوام عن أبي عبد الله محمد بن هارون بن محمد العبّاسي عن أبيه عن أبي يحيى بن أبي ميسرة عن سعيد بن عثمان الزيّات عن أبيه قال: قام رجل إلى هارون الرشيد في "مدينة أبي جعفر" يوم الجمعة، وهو على المنبر، فقال: والله ما قسمت بالسوية، ولا عدلت في الرعية، ولقد فعلت، وفعلت، فأمر به، فأخذ، ثم أدخل عليه بعد الصلاة، وبعث إلى أبي يوسف، قال أبو يوسف: فدخلت عليه، وهو جالس، والرجل بين العقابين والجلادون خلفه بالسياط، فأقبل عليَّ، فقال: يا يعقوب! كلّمني هذا بما لم يكلّمني به أحد، فقلت: يا أمير المؤمنين! قد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسم قسمه: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فعفا، وصفح، وقيل له: وقد قسم قسما أعدل، فقال صلى الله عليه وسلم: ومن يعدل إذا لم أعدل، فعفا، وصفح، وقيل له: أشدّ من هذا، خاصم إليه الزبير ورجل من الأنصار، فقضى للزبير، فقال الآخر: يا رسول الله! أأن كان ابن عمّتك، فعفا، وصفح، قال: فسكن غضبه، وأمر بالرجل، فأطلق. اهـ.