على ظن أنه بقي قدر قليل من عمره، ولا ينبغي إضاعته في تجارب جديدة، وسنح له أن يؤسّس مدرسة دينية، يقوم فيها بعربية للطلبة كما يريد، وتدريس للعلوم تحت ضوء إفادته التجارب الدراسية بمنهاج خاص، يكون نافعا لأبناء الأمة.
وكان رحمه الله، يقول دائما: إن أمثال هذه الأمور العظيمة تحتاج إلى إخلاص عظيم، وهمة عالية، وجهد متواصل، وصبر واستقامة، ومساعدة من رفقاء مساعدة روحية، ومساعدة مادية مالية، وكان يقول: تواضعا كدأب العلماء الربّانيين من هذا الشأن: وإني أدركت أنها لم تجتمع لي هذه الأمور ودون هذا آمال فارغة، وضرب في حديد بارد، {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}، فأحبّ أن يسافر إلى الحرمين الشريفين، هذه الديار المقدسة، التي هي مهبط الوحي، فعزم على السفر للحج والزيارة، ليستخير الله تعالى، ويدعوه في أماكن الإجابة أن يلهمه ما هو اللائق به من خدمة للدين والعلم، فسافر يوم الجمعة الرابعة من ذي الحجَّة سنة ١٣٧٣ هـ، وكان من أهم دعواته في تلك البقاع المقدسة أمكنة الإجابة وأوقاتها الدعاء لهذا المقصد الشريف، ومكث في الحج عشرين يوما، ثم سافر إلى "المدينة المنوَّرة"، ومكث بها اثني وثلاثين يوما، فوقع العزم على الاستقالة من دار العلوم الإسلامية، وتأسيس معهد علمي مستقل تحت إدارته، ووصل إلى المسجد الجامع بـ "نيو تاؤن"، وكان المسجد قد وضع له الأساس فقط، ولم يكن هناك شئ من الحوائج الضرورية ومرافق الخياة اللازمة، واتفق مع لجنة المسجد وأرباب الحي أن يفوّضوا إليه أمر عمارة المدرسة وبنائها، وصرّح لهم أنه لا يريد منهم أيّة مساعدة مالية في هذا الصدد.