الروم، فامتنع والدها، فجاء الكاساني، ولزم والدها، وإشتغل عليه، وبرع في علمي الأصول والفروع، وصنَّف كتاب "البدائع"، وهو شرح لـ "لتحفة"، وعرضه على شيخه، فازداد فرحا به، وزوَّجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك، فقال الفقهاء في عصره: شرح "تحفته"، وزوجه ابنته.
وأرسل رسولا من ملك "الروم" إلى نور الدين محمود بـ "حلب"، وسبب ذلك أنه تناظر مع فقيه ببلاد "الروم" في مسئلة: المجتهدَيْن هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ؟.
فقال الفقيه: المنقول عن أبي حنيفة أن كل مجتهد مصيب.
فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة أن المجتهدَيْن مصيب، ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة.
وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع الكاساني على الفقيه المقرعة، فقال ملك "الروم": هذا افتات على الفقيه، فاصرفه عنا.
فقال الوزير: هذا رجل كبير ومحترم، لا ينبغى أن يصرف، بل تنفذه رسولا إلى الملك نور الدين محمود، فأرسل إلى "حلب".
وكان قبل ذلك قدم الرضي السرخسي صاحب "المحيط" إلى "حلب".
فولاه نور الدين "الحلاوية"، واتفق عزله كما ذكرته في ترجمته، فولّى السلطان صاحب "البدائع""الحلاوية" عوضه بطلب الفقهاء ذلك منه، فتلقاه الفقهاء، وكانوا في غيبته يبسطون له السجَّادة، ويجلسون حولها في كل يوم إلى أن يقدم.
وله غير "البدائع" من المصنَّفات، منها:"السلطان المبين في أصول الدين".
قال ابن العديم: سمعتُ أبا عبد الله محمدا قاضى العسكر يقول: لما قدم الكاساني إلى "دمشق" حضر إليه الفقهاء، وطلبوا منه الكلام معهم في مسئلة، فقال: لا أتكلم في مسئلة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسئلة.