يا حبذا في الصبا عن حبكم خبر … وفي بروق الغضا منكم إشرات
وحبذا زمن اللهو الذي انقرضت … أوقاته وهي أفراح ولذات
أيام ما شعر البين المشت بنا … ولا خلت من مغاني الأنس أبيات
حيث المنازل روضات مديجة … وحيث جيرانها غيد وقينات
وحيث أسعى لأوطار الصبا مرحا … ولي على حكم أيامى ولايات
ورب حانة خمار طرقت ولا … حانت ولا طرقت للقصف حانات
وسئل شهاب الدين محمود عن هاتين القصيدتين أيهما أجود.
فأجاب هاتان قصيدتان بديعتان في بابهما فريدتان في اقتضائهما المعاني الجليلة واقتضائهما الثانية، أرجحهما عندي وأفضلهما في اعتباري ونقدي، لتمكن ألفاظها ومعانيها الرجيحة، وقواعد أبياتها وقوة مائها، ما تركت لقافية ابن اللبان زبدة تذاق.
قلت: يشير إلى مرثية ابن اللبانة، التي رثى بها المعتمد بن عباد حين مات بأغمات التي يقول فيها شعر:
انفض يديك من الدنيا وسكنها … فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا
والدهر في صبغة الحرباء منصبغ … كل أحواله فيها استحالات
فقل لعالمنا العلوي قد كتمت … سريرة العالم السفلي أغمات
قال الشيخ علاء الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن داود العطار الإمام الشافعي: كتب شيخنا أبو عبد اللَّه محمد بن الظهير الحنفي الإربلي شيخ الأدب في وقته رحمه اللَّه "كتاب العمدة في تصحيح التنبيه" للشيخ محي الدين النواوي قدس اللَّه روحه، وسألني مقابلته معه بنسختي، ليكون له رواية عنه مني، فلما فرغنا من ذلك، قال لي: ما وصل الشيخ تقي الدين ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ محي الدين من العلم في الفقه والحديث واللغة وعذوبة اللفظ والعبارة.