ومنها: علوم الفقه على المذاهب الأربعة وأصحابهم، والاطلاع على مأخذ المسائل ومنازع الحجج والدلائل.
ومنها: علم الحديث والأثر مع حفظ المتون وضبط الأسانيد، والنظر في دواوين المجاميع والمسانيد، ولم يتفق لأحد قبله ممن كان يعتني بهذا العلم من أهل قطره ما اتفق له من زواية الأثر، وإشاعته في الأكناف البعيدة.
ومنها: علم تفسير القرآن وتأويل كتاب الله العزيز، فمن نظر في كتبه شهد بتوفّر حظّه منه.
ومنها: أصول هذه العلوم ومبادئها، التي هذّبها تهذيبا بليغا، وأكثر من التصرّف فيها يكاد يصحّ أن يقال: إنه باني أسها، وباري قوسها. فأما أصول التفسير فكتابه "الفوز الكبير" فيها شاهد صدق على براعته على كثير من أهلها، والحقّ أنه متفرّد بتحقيق هذا الفن وتدقيقه. وأما أصول الحديث فله فيها باع رحيب، وقد أشار ابنه عبد العزيز أن له فيها تحقيقات مستظرفة، لم يسبقْ إليها. وأما أصول الفقه فإنه شرح أصول المذاهب المختلفة وجمعها، وبيّن الفرق بين الأمور الجدلية والأصول الفقهية، وردّ وجوه الاستنباط على كثرتها إلى عشرة، وأسّس قواعد الجمع بين مختلف الأدلة وبين قوانين الترجيح.
ومنها: علم العقائد وأصول الدين، فإنه أتى بأسرار غامضة في تطبيق بالمأثور، مما لا يهتدي إليها في الأعصار، إلا واحد ممن يجتبيه الله سبحانه، وذلك لأن المتكلّم في هذا العلم إما أن يكون صاحب حديث، يتهافت على ظواهره، أو صاحب كلام، يتعمّق في الرأي، أو صاحب فقه يتوسط الفريقين، أو صاحب ذوق، يطمئنّ إلى ما يتجلّى له، وقد جمع الله تعالى في صدره ما شتته بين هؤلاء.