كان أبوه ناظر الأوقاف بـ "بلاد السراي"، وكان معروفا بالزهد والصلاح، فتضرّع إلى الله تعالى، أن يرزقه ولدًا صالحًا، فولد له أحمد هذا، في يوم عاشوراء، سنة أربع وخمسين وسبعمائة.
ومات أبوه وله تسع سنين، فلازم الاشتغال، حتى برع في أنواع العلوم، وصار يضرب به المثل في الذكاء.
وخرج من بلده وله عشرون سنة، فطاف البلاد، وأقام بـ "الشام" مدّة.
ودرّس الفقه والأصول، وشارك في الفنون، وكان بصيرًا بدقائق العلوم.
وكان يقول: أعجب الأشياء عندي البرهان القاطع، الذي لا يكون فيه للمنع مجال، والشكل الذي يكون فيه فِكر ساعة.
ثم سلك طريق التصوّف، وصحب جماعة من المشايخ مدّة.
ثم رحل إلى "القاهرة"، وفوّض إليه تدريس الحديث بـ "الظاهرية"، في أول ما فتحت، ثم درّس الحديث بـ "الصرغتمشية"، وقرأ فيها "علوم الحديث" لابن الصلاح، بقوّة ذكائه، حتى صاروا يتعجبّون منه.
ثم إن بعض الحسَدَة دسّ إليه سمًا، فمرض، وطال مرضه، إلى أن مات في المحرّم، سنة إحدى وتسعين، وكثر الثناء عليه جدًا. وترك ولدًا صغيرًا من بنت الأقصرائي، وأنجب بعده، وتقدّم، وهو محبّ الدين، إمام السلطان في زمنه.