للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بحكم مخالف لذلك لا يرفعه إلى درجة الاعتداد به، مع هذه المخالفة الصارخة. وهو أجاد تطبيق هذه القاعدة الحكيمة في كتبه جدّ الإجادة، وليس هذا ترجيحا لخبر على خبر بموافقة القياس، كما ظنّ على ما شرحت ذلك في "الإشفاق")، وغيره، ولم يكتف بمجرد نقد الرجال علما منه بمبلغ اختلاف النقاد، حتى في أشهر مشهوري حملة الآثار، ولذا وجد النظّار من المتكلّمين من غير أهل السنّة ما يتخذونه وسيلة، إلا إعلال رواياتهم في كتب أمثال الكرابيسي، وابن أبي خيثمة، وابن مَعين، وابن المديني، وغيرهم، ممن أطلقوا لسان النقد في كثير من الأجلّة، كما يظهر من كتاب أبي القاسم الكعبي، وكتاب الصاحب بن عباد في ذلك، فالطحاوي لم يكتف بهذا النقد القابل للمعارضة. بل سلك منهجا تخيره أصحابنا، وسار سيرهم فيه، وهو عدم إهمال ناحية موافقة حكم الخبر لنظائره أو مخالفته لها. وهذه طريقة بديعة، تركها المتأخّرون، وهي محفوظة بجدتها في كتب الطحاوي، وبروعتها، ويرعاها في بحوثه، بحيث لو تتبعها المتفقه نمتْ ملكته، وانكشفتْ مواهبه، وليس ذلك من جهله بأحوال الرجال، بل كان ما قاله أصحاب الشأن في رجال الرواية على طرف لسانه، ومبلغ سعة علمه في الرجال يظهر عند كلامه في الأحاديث المتعارضة في كتبه. وكتابه الكبير في تاريخ الرجال موضع ثناء أهل العلم، وإن لم نطلعْ عليه، لكن رأينا كثيرا من النقول عنه في كتب أهل الشأن مما يدلّ على زاخر علمه في هذا الباب، وليس ترجيحه لرواية على أخرى لموافقة إحداهما الأصول الجامعة دون الأخرى، من قبيل الترجيح بموافقة القياس، بل ردّ لما لا نظيرَ له في الشرع بالشذوذ، وهو أخذ بأقوى الحجج، ولا يهمل الكلام في الرجال أصلا، كما تجد مصداق ذلك في "معاني الآثار"، و"مشكل الآثار"،

<<  <  ج: ص:  >  >>