فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي، لأنه صحّح حديث ردّ الشمس لعليّ -كرّم الله وجهه-. فيكون الاعتراف بحصّة هذا الحديث ينافي انحرافه عن عليّ رضي الله عنه، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعليّ عليه السلام في كلّ خطوة من خطوات تحدثه عنه. ولا مجالَ لردّ حديث أسماء في ذلك من جهة الصناعة الحديثية، لكن حكمه حكم أخبار الآحاد الصحيحة في المطالب العلمية، ومعرفة الطحاوي بالعلل لا يتجاهلها إلا من اعتلّ بعلل، لا دواءَ لها، وقد جمع أهل العلم بالحديث طرق هذا الحديث قديما وحديثا، وحكموا عليه بالصحة، رضى ابن تيمية أم لم يرضَ، منهم: أبو القاسم العامري الحكم النيسابوري الحافظ، وللسيوطي جزء خاص في ذلك، وكذا لمحمد بن يوسف الصالحي، ومن القائلين بصحة ذلك الحديث القاضي عياض في "الشفا في تعريف حقوق المصطفى" صلى الله عليه وسلم. لكن لا مجالا لرفع الغشاوة عن أبصار المنحازين إلى الخوارج، نسأل الله السلامة. وعادة ابن تيمية أنه إذا رأى مسألة واحدة لبعض أهل العلم يجعلها قاعدة كلّية عنده، فيعزو إلى ذلك الناطق بتلك المسألة الواحدة كليا خياليا، واستيلاد الكلّي من الجزئي منطق طريف، ينفرد هو به. على أن ما ظنّ أنه ترجيح بموافقة القياس ترجيح بعدم الشذوذ عن موارد الشرع، كما سبق، ثم الكلام في الأحاديث المختلفة بالتحدّث عن رجالها جرحا وتعديلا لا يخلو عنه بحث من بحوث كتابه، وكتابه بين أيدي أهل العلم، فمثل هذا التهجّم إزاء الحقائق الماثلة لا يصدر ممن يحترم نفسه، ولو أخذنا نسرد كلامَه في الرجال من ثنايا كتبه لطال بنا الكلام جدا، وخرجنا عن الموضوع، ومن الذي ردّ على كتاب المدلّسين للكرابيسي (١).
(١) ومعلوم مبلغ تضايق الإمام أحمد من هذا الكتاب لإعطائه سلاحا. الخصوم (الكوثري).