أقرّوا به جميعا، وسلّموا له، وله ترجمة حافلة واسعة في كتاب "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" لشيخنا وأستاذنا العلامة المحدّث المؤرّخ محمد راغب الطبّاخ، رحمه الله تعالى.
وكان والده الشيخ محمد الزَّرقا فقيهَ النفس والبدن، ممتَّعا بمزايا علمية نادرة، وسجايا خلقية رفيعة، فاق بها أقرانه، فكان شيوخ العلم يقصدون مجلسه، ويحضرون حلقاته ودروسه، ليقتبسوا من علمه وحَصَافته، وذكائه الفريد وفطانته، فكان مجلسه دائما عامرا بالعلماء والمستفيدين من علماء المذهب، بل من غيرهم أيضا، لما يجدون في دروسه من حلّ المشكلات، وتذليل المعضِلات، ونثر الفوائد، التي قلّ أن توجد في الكتب.
فنشأ الشيخ أحمد نجلُه في ظلّه، في هذا الجوّ العلمى الذي يقدح العزائم، ويحرّك الهمم، ويلهب مجامر القلوب بالتحصيل والعلم، فتلقّى أول الأمر القرآن الكريم تلاوة وتجويدا وحفظا، عن أضبط الحفّاظ المقرئين في مدينة "حلب" العبد الصالح: الشيخ محمد الحجّار، رحمه الله تعالى.
ولما فرغ من حفظ القرآن وتجويده، توجّه إلى تلقّى العلم عن المشايخ المقرئين في المدارس الوقفية الكثيرة المنتشرة في مدينة "حلب"، وفي المساجد التي كانتْ تعقد فيها حَلَقَات العلوم الشرعية والعربية، تدريسا وتعليما للطلبة والمستفيدين.
وكان الشيخ أحمد يتتبّع هذه الدروس العامرة في المساجد والمدارس، بنَهَم علمي شديد، ونفس زكية عطشَي، ويتلقّى علوم الشريعة والعربية، ويقرأ كتبها على أساتذتها المشهورين، وكان في القوم بقية من الأفذاذ العلماء النبغاء في كلّ علم، فأخذ عنهم، ودَرَس عليهم: التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو وعلوم العربية والأدب والتاريخ والمنطق …